زكرياء الابدر الكاتب الاقليمي للشبيبة الإتحادية أكادير اداوتنان
في خضم توتر اجتماعي متصاعد، تتجسّد مطالب الشباب المغربي، وخاصة جيل “زد”، كصرخة صادقة تعكس غيرتهم على وطنهم ورغبتهم في رؤية إصلاحات ملموسة. إنّ الاحتقان الاجتماعي، المدفوع بفشل متكرر للسياسات العمومية وتأخر في تنزيل التوجيهات الملكية السامية، يضع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على المحك كضرورة وطنية لا تقبل التأجيل.
أولاً: “جيل زد-212” صرخة صادقة في وجه التحديات الاجتماعية
شهدت الساحة المغربية تصاعداً في الاحتجاجات التي يقودها شباب يطلقون على أنفسهم “جيل زد-212” ، في إشارة إلى رمز النداء الدولي للمغرب. هذه الاحتجاجات، التي انطلقت غالباً عبر الفضاءات الإلكترونية قبل أن تنتقل إلى الشارع ، ترفع مطالب اجتماعية مشروعة، وتعبّر عن استياء عميق تجاه الأوضاع الراهنة.
أبرز مطالب المحتجين:
تتمحور مطالب الشباب حول تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية، وفي مقدمتها قطاعي الصحة والتعليم، إلى جانب المطالبة الجريئة بـمحاربة الفساد. وقد عكس شعارهم البارز “ما بغيناش كأس العالم، الصحة أولاً” عمق أزمة الأولويات التي يرونها في تدبير الشأن العام، حيث يطالبون بوضع حد للمقاربات الأمنية في التعامل مع احتجاجاتهم السلمية.
هذه الحركة الاحتجاجية تنبع من خلفية اقتصادية واجتماعية ضاغطة؛ فبالرغم من الإشارات الإيجابية لبعض المؤشرات الاقتصادية كاستقرار معدل التضخم عند 2.4% في عام 2024 ، إلا أن الأرقام الرسمية تشير إلى ارتفاع معدل البطالة الوطني إلى 13.3% في عام 2024 ، مع تركّزها بشكل خاص بين فئة الشباب. ووفقاً لتقارير دولية، ما يقارب نصف الشباب المغربي ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً يفتقرون إما لعمل أو لمقعد دراسي.
ثانياً: ربط المسؤولية بالمحاسبة.. المبدأ الدستوري وتحدي التفعيل
في صُلب الدستور المغربي لعام 2011، نُصّ في الفصل الأول صراحة على أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ، كركيزة أساسية للحكامة الجيدة ، وقطعاً مع كل أشكال الفساد والرشوة والمحسوبية. كما دعا جلالة الملك في أكثر من مناسبة إلى التطبيق الصارم لهذا المبدأ، مؤكداً أنه لا مجال للتهرب من المسؤولية.
فجوة التنفيذ:
بالرغم من هذا التأطير الدستوري القوي والتوجيهات الملكية المتكررة، لا يزال تفعيل هذا المبدأ على أرض الواقع يواجه تحديات جمّة. وتتردد أصوات فاعلين حقوقيين وسياسيين تتساءل عن الإضافة الحقيقية التي تقدمها تقارير المؤسسات الرقابية، مثل المجلس الأعلى للحسابات، في محاربة الفساد. فغالباً ما تكشف هذه التقارير عن اختلالات وخروقات في تدبير المال العام ، لكن التساؤلات تظل مطروحة حول مدى تطبيق المساءلة على المسؤولين الكبار المتورطين في قضايا الفساد المتعلقة بالصفقات العمومية والبنوك. إنّ المساءلة، التي يسهل الإعلان عنها، تبقى صعبة التحقيق وتستدعي نقاشاً عمومياً مستعجلاً.
ثالثاً: الحكومة بين التوجيهات الملكية وتأخر التنزيل
تجد الحكومة الحالية نفسها في مرمى الانتقادات بسبب تأخرها الكبير في تنزيل محاور النموذج التنموي الجديد (NDM)، باستثناء الورش الملكي للحماية الاجتماعية ،. ويتهم خبراء اقتصاديون الإدارة الحالية بالتركيز على التوازنات الماكرو-اقتصادية (مثل خفض العجز الميزانياتي والمديونية) على حساب قضايا جوهرية أخرى، مثل رفع التنافسية للمقاولات وتحسين التوظيف للشباب ومعالجة الاختلالات التنموية بين الجهات.
هذا التأخر في ترجمة الرؤى الإصلاحية إلى عمل فعلي يجد صداه في رأي الشارع، حيث أظهر استطلاع للرأي أُجري في فبراير 2024 أن نسبة عدم الموافقة على أداء رئيس الحكومة تتجاوز 61%، مما يعكس تراجعاً كبيراً في الثقة في المؤسسة التنفيذية.
رابعاً: الشباب في صُلب النموذج التنموي الجديد.. رؤية للإنقاذ
لطالما أكدت الرؤية الملكية على أن الشباب هم “الثروة الحقيقية للبلاد” ، وعلى ضرورة وضع قضاياهم في صلب النموذج التنموي الجديد. وتشدد التوجيهات على تمكين الشباب من الفرص والمؤهلات اللازمة للقيام بدورهم، عبر تقديم حلول ملموسة في التعليم والشغل ، وفتح باب الثقة والأمل في المستقبل.
وقد أوصى تقرير النموذج التنموي الجديد بإعطاء أولوية قصوى للشباب، ودعا إلى إرساء خدمة مدنية وطنية تطوعية مؤدى عنها بهدف تقوية المشاركة المواطنة والحس المدني وتحسين مهارات التشغيل لديهم. كما أكد “البرلمان المغربي للشباب” على ضرورة إدماج الشباب عبر خلق فرص وبرامج للتكوين، وتحفيز روح المبادرة المقاولاتية، وتسهيل الولوج إلى التمويل لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
إنّ بناء مغرب الغد يمر حتماً عبر هذه الشراكة الحقيقية التي تتطلب من الفاعلين الحكوميين والسياسيين ترجمة الخطاب إلى مؤسسات فاعلة وميزانيات كافية، وإشراك الشباب في التخطيط والتنفيذ والتقييم.
في الختام، تبقى احتجاجات جيل “زد” تعبيراً عن وطنية صادقة لا تقبل التراجع، ومحركاً ضاغطاً يذكّر بأن معالجة الاحتقان الاجتماعي تتطلب، قبل كل شيء، إيقاظ ضمير المساءلة وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بعيداً عن الشعارات، ووفقاً للتوجيهات الملكية الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.