تتجدد النقاشات والتحليلات مع كل دورة برلمانية في المغرب حول دور وأهمية المؤسسة التشريعية، والتحديات التي تنتظرها في خضم السياقات الوطنية والدولية المحيطة بها.
هذا، ويعكس البرلمان المغربي درجة نضج المسار الديمقراطي الذي انخرطت فيه المملكة على مدى عقود، وفي هذا السياق، أجرى مهدي ديوان حوارا مع رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب نور الدين مضيان (الأغلبية)، ورئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب عبد الرحيم شهيد، (المعارضة)، حيث تمت مناقشة الرهانات والقضايا المهمة التي تطرح نفسها خلال هذه الدورة البرلمانية.
رهانات الدخول البرلماني
يرى نور الدين مضيان أن حجم الرهانات كبير جدا في ما يتعلق بالدخول البرلماني الحالي، مشيرا إلى أن الأولوية تقتضي التعبئة الشاملة لتجاوز مخلفات الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز والأقاليم المجاورة، خاصة المرحلة الثانية المتعلقة بإعادة الإعمار، وتخفيف معاناة ساكنة تلك المناطق.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد مضيان أن المغرب نجح بامتياز في تجاوز مرحلة إنقاذ الجرحى وانتشال جثث الشهداء، وتقديم الدعم اللازم للساكنة في وقت قياسي، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبفضل التعبئة الشاملة للشعب المغربي الذي قدم دروسا كبرى للعالم في التضامن والتآزر.
وشدد ذات المتحدث على ضرورة مواصلة العمل مع الحكومة ومختلف السلطات العمومية بهدف التنفيذ الأمثل لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من الزلزال بميزانية استثنائية تقدر ب 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات، والذي يستهدف ساكنة تفوق 4.2 مليون نسمة، عبر مخطط طموح ومندمج لتنمية أقاليم الأطلس الكبير.
ملفات أخرى على الطاولة
أكد رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب أن هناك ملفات أخرى تنتظر الدخول البرلماني، وعلى رأسها تأثير التغيرات المناخية على القطاع الفلاحي وأزمة الماء، وتقلبات أسعار المواد الأولية في السوق العالمية، فضلا عن أسس إرساء الدولة الاجتماعية بكل محاورها الاستراتيجية، خاصة تعميم التغطية الصحية الإجبارية عن المرض وإصلاح وتأهيل المنظومة الصحية.
وتوقف ذات المتحدث عند ملفات أخرى لا تقل أهمية، خاصة ما تعلق بالإصلاحات الهيكلية في قطاعات الأمن الغذائي والدوائي والمائي، فضلا عن مواصلة تنزيل ورش إصلاح العدالة وأنظمة التقاعد، ومواصلة تنزيل القانون الإطار للتربية والتكوين، وهو ما يستدعي اتخاذ كافة التدابير اللازمة للحفاظ على توازنات المالية العمومية واستدامتها.
واعتبر المتحدث نفسه أن الإصلاحات الهيكلية التي تشهدها بلادنا في مختلف المجالات تفرض على الحكومة والبرلمان عملا ديناميا متواصلا لإقرار عدد من التشريعات المؤطرة، مستدلا في هذا الصدد بالإصلاحات التي تم نهجها لإرساء دعائم الدولة الاجتماعية الذي يعتبر ورشا استراتيجيا غير مسبوق في المنطقة العربية والإفريقية.
وتوقف رئيس الفريق الاستقلالي عند بعض الإصلاحات التشريعية التي تم نهجها في سياق مواكبة لتنظيم المهن الصحية والطبية وشبه الطبية بالمغرب، من قبيل الدراسة والمصادقة على القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية، ومشروع القانون رقم 07.22 المتعلق بإحداث الهيئة العليا للصحة، والقانون رقم 08.22 المرتبط بإحداث المجموعات الصحية الترابية، والقانون رقم 09.22 المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للموارد البشرية بالوظيفة الصحية، والقانون رقم 10.22 المتعلق بإحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، إضافة الى القانون رقم 11.22 المتعلق بإحداث الوكالة المغربية للدم ومشتقاته.
المعارضة البرلمانية وخدمة مصالح البلاد
من جهته، سلط عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي -المعارضة الاتحادية، بمجلس النواب، الضوء على الرهانات المعقودة على المؤسسة التشريعية، لافتا إلى أن المعارضة مستعدة للتنسيق مع باقي الفرق بمجلس النواب، من أجل الدفع في اتجاه خدمة مصالح البلاد.
في هذا السياق، أفاد شهيد بأن الدخول البرلماني الحالي يواجه مجموعة من التحديات، ذلك أنه يأتي في سياقات استثنائية وطنية ودولية، مبرزا أن أول تحد أمام البرلمان، هو الإسراع بتجويد واعتماد المشاريع التي ستأتي بها الحكومة في إطار البرنامج الذي أعلنته كتنفيذ لبرنامج إعادة البناء والإعمار والتأهيل على إثر زلزال الحوز.
ويتمثل التحدي الثاني، حسب شهيد، في اعتماد قانون المالية الذي يدشن النقاش العمومي والسياسي في مستهل كل سنة تشريعية، مشيرا إلى أن الحكومة مطالبة بجعل هذا القانون أداة لتنزيل مجموعة من المشاريع المهيكلة التي تؤسس للدولة الاجتماعية، بصورة تتجاوز المنطق الذي حكم إعدادها لكل من قانون المالية لسنة 2022 و2023.
وبالإضافة لمشروع قانون المالية، كشف رئيس الفريق الاشتراكي بأن هناك العديد من النصوص التشريعية التي سيشكل الدخول البرلماني فرصة للتداول فيها وفي راهنية إحالتها على البرلمان.
وعلى المستوى الدولي، أوضح شهيد أن العالم اليوم يواجه تحديات عديدة، منها الاقتصادية والتي يعتبر تكرار الصدمات عنوانها الأبرز، ثم السياسية الموسومة بتزايد التوترات الجيوسياسية، وكذلك التحديات المناخية التي باتت تشكل تهديدا فعليا للتنمية بالعديد من الدول، وكلها تحديات من المنطقي أن ترخي بظلالها على الفاعل البرلماني بالمغرب.
أهم القضايا المطروحة على الأجندة التشريعية والرقابية
أكد شهيد أن الدخول البرلماني خلال السنة التشريعية الجديدة سيكون محكوما بالعديد من القضايا الرئيسية، والتي يأتي قانون المالية في مقدمتها، إضافة إلى تنزيل وتنفيذ التعليمات الملكية المتعلقة بإعادة إعمار المناطق المتضررة جراء زلزال الحوز، وأخيرا البحث في الآليات القانونية الكفيلة بضمان حسن تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية وتفعيل تصورات النموذج التنموي الجديد.
ومن جهة أخرى، أكد ذات المتحدث أن هناك مجموعة من القضايا الأخرى التي سيتم تحديدها انطلاقا من مضامين الخطاب الملكي الذي سيتوجه به صاحب الجلالة إلى البرلمان خلال افتتاح هذه السنة التشريعية.
وخلص المتحدث نفسه إلى أن البرلمان سيستمر في أداء مهامه التي يكفلها له القانون، والمتمثلة، أساسا، في التشريع وفي الرقابة، معربا عن أمله في أن تتجاوز الحكومة المنطق الذي حكم تعاطيها مع البرلمان خلال السنة التشريعية الماضية، حتى يتم استدراك التأخر التشريعي الحاصل.