التلوث المعلوماتي: عندما تتحول وفرة البيانات إلى تهديد صامت لوعي الأفراد والمجتمعات

العلوم والتكنولوجيا

agadir24 – أكادير24

فريق هيئة تحرير أكادير24

يشهد العالم خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا لافتًا لظاهرة التلوث المعلوماتي (Information Pollution)، التي لم تعد تقتصر فقط على الأخبار الكاذبة، بل باتت تشمل أيضًا فائض المعلومات والمحتويات المتكررة والمضللة، وهو ما يضع وعي الأفراد والمجتمعات أمام تحديات مركبة ومقلقة على حد سواء. هذه الظاهرة التي ناقشتها مؤسسات بحثية معتمدة مثل UNDP وConstella وQScience وWIRED وASJP أصبحت تُعرف بأنها شكل من أشكال التسمم الرقمي الصامت.

وبحسب تعريف موسوعة ويكيبيديا، فإن التلوث المعلوماتي يتمثل في تشويش مصادر المعرفة من خلال تكرار المعطيات أو تحريفها أو إدخال رسائل غير ضرورية ضمنها، مما يخلق صعوبة في الوصول إلى المعلومة المفيدة أو الموثوقة. ويتقاطع هذا المفهوم مع ما يسمى الإفراط المعلوماتي (Information Overload)، الذي يشير إلى وجود كمّ هائل من البيانات غير المهيكلة، ما يؤدي إلى إرهاق ذهني وفقدان القدرة على التركيز وصعوبة اتخاذ القرار.

وتوضح الدراسات أن هذا التلوث لا يقتصر تأثيره على الأفراد فقط، بل يمتد إلى المجتمعات والمؤسسات. فعلى المستوى الفردي، يؤدي التلوث المعلوماتي إلى اضطراب إدراكي وفقدان القدرة على التمييز بين الحقيقي والزائف، مما يضعف بشكل مباشر جودة القرارات اليومية. أما على مستوى المجتمع، فهو يعطل النقاش العمومي ويغذي الأخبار المزيفة والانطباعات غير الدقيقة، ما يؤثر بدوره على الديمقراطية والثقة بين المؤسسات والمواطنين. كما أظهرت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومؤسسة Constella أن نسبة ضئيلة لا تتجاوز 1.4% من المعلومات المغلوطة المنتشرة خلال جائحة كوفيد-19 أثرت على وعي ملايين الأشخاص في أمريكا اللاتينية والكاريبي.

فيما يخص الشركات والمؤسسات الاقتصادية، فقد أكد تقرير WIRED أن فائض المعلومات غير المصفاة يؤدي إلى ضعف في اتخاذ القرار، وخسارة فرص استثمارية مهمة، مع استنزاف للموارد البشرية والتقنية في معالجة بيانات غير موثوقة أو مشوشة.

ويعزو الباحثون تزايد الظاهرة إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها التوسع الكبير للمنصات الرقمية مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، واعتمادها على خوارزميات موجهة أساسها جذب الانتباه أكثر من ضمان صحة المحتوى. كما يبرز غياب الرقابة المعرفية الفعالة على ما يُنشر يوميًا، ما يسمح بانتشار واسع للمعلومات غير الموثقة، فضلًا عن تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي العميق (Deepfakes)، التي تنتج محتويات يصعب التفرقة بينها وبين الواقع.

وتورد أبحاث QScience وASJP شواهد عالمية أخرى مثل تأثير التلوث المعلوماتي على قضايا بيئية دولية، حيث تم توثيق كيف أن حملات إعلامية مشوشة أخرت تنفيذ سياسات مناخية حاسمة في عدة دول غربية بسبب صعوبة التحقق من المعطيات.

أما فيما يتعلق بالآليات المقترحة لمكافحة هذه الظاهرة، فتتفق الدراسات على أهمية تبني مقاربة متكاملة تشمل الفرد والمؤسسات والدولة والمنصات الرقمية والمجتمع الدولي. إذ ينبغي على الأفراد تنقية مصادر معرفتهم والتحلي بما يوصف بـ”الشك المعرفي المنصف”، مع ضرورة فرض شفافية أكبر على خوارزميات المنصات الرقمية وتقييد الإعلانات المسيئة. كما يُوصى على المستوى المؤسساتي بدعم الإعلام المستقل وتمويل أدوات تحقق فورية. وعلى الصعيد الدولي، دعا تقرير UNDP إلى توحيد معايير التحقق وفرض عقوبات على الجهات التي تروج بوعي للمحتويات المضللة أو الملوثة معرفيًا.

ويخلص الخبراء، استنادًا إلى ما جاء في WIRED وConstella وASJP وQScience، إلى أن التلوث المعلوماتي يمثل تحديًا لا يقل خطورة عن التلوث البيئي، لما له من تأثير مباشر على استقرار المجتمعات والدول، مؤكدين أن معالجته تتطلب تحالفًا عالميًا على مستوى السياسات والمؤسسات والمجتمع المدني.