التراكتور” يقتل ديمقراطية في “البام” مزعومة

حسن بويخف كُتّاب وآراء
هل يمكن الحديث عن حد أدنى من الديمقراطية ومن الشرعية القانونية في اختيار قيادات حزب الأصالة والمعاصرة في مؤتمره الأخير؟
سؤال يفرض الموقع السياسي للحزب مقاربة جوابه بعيدا عن أي حساسية. وقبل معالجة الجوانب المعيارية الموضوعية في الموضوع نستعرض وقائع  انتخاب قيادتين في أكبر موقعين من المسؤولية في حزب الجرار، ويتعلق الأمر بالأمين العام للحزب، إلياس العمري، ورئيسة المجلس الوطني لنفس الحزب، فاطم الزهراء المنصوري.
وحسب ما أكدته أشرطة فيديو رائجة على “اليوتوب” وثقت وقائع تنصيب القيادتين، وما أكدته عدد من الجرائد المعتبرة، فإن اختيار الأمين العام للحزب وكذا رئيسة المجلس الوطني لم يخضع لأية عملية اقتراع أو انتخاب كاملة، حيث لم يعتمد التصويت لا بالأوراق وصناديق الاقتراع كما تقضي بذلك القواعد الديمقراطية، ولا حتى برفع الأيدي بالطريقة الصحيحة التي تعتمد أيضا آلية ديمقراطية في التصويت العلني والتي تتطلب المرور بثلاث مراحل دقيقة هي إحصاء دقيق للموافقين ثم إحصاء الرافضين و أخيرا إحصاء الممتنعين، وبعد عملية المقارنة مع النتائج تعلن النتيجة، وتعتبر إجماعا إذا صوت الحاضرون بنسبة 100 بالمائة لأحد المرشحين.
فوقائع اختيار العمري أمينا عاما في تلك الأشرطة، تبين المنصوري تعلن إلياس العمري مرشحا وحيدا لمنصب الأمين العام، فيرفع الحاضرون الذين تجمهروا حول الطاولة التي يجلس إليها العمري وتقف ورائها المنصوري في أجواء غير منظمة وبعيدة عن الصرامة التي تتطلبها محطة حاسمة مثل محطة الانتخابات، (يرفعون) أيديهم وهم يهتفون “إلياس ، إلياس، …” لمدة تعلن بعدها المنصوري العمري أمينا عاما للحزب! ولم تقم المنصوري بأية محاولة للتأكد من حالة التصويت بالأيدي، فكيف بإحصائها والمرور من المراحل المنهجية الصارمة في مثل هذه العمليات. وكيف لها ذلك حتى لو بدر إلى ذهنها القيام به وهي محاصرة من طرف المتجمهرين حول منصتها.
نفس “المنهجية” اعتمدت في اختيار المنصوري رئيسة للمجلس الوطني لحزب الجرار، فبعد ذكر اسمها كمرشحة وحيدة أيضا رفعت الأيدي وتعالت الأصوات ورفعت على أكتاف بعض أعضاء المجلس الوطني، فأصبحت رئيسة للمجلس الوطني.
هذا المشهد نقلته يومية “الأحداث”، و علقت عليه بالبقول في عددها ليوم الثلاثاء 26 يناير، (ما لاحظه الكثيرون هو غياب “أداة دَمَقْرطة الخيار” أي الصندوق، زجاجيا كان أو خشبيا، لم يكن هناك أي صندوق ولم يظهر أن خيارات “البام” كانت تولي أي أهمية  للصندوق و الانتخابات و سرية الانتخاب).
وسوف نحاكم هذه الوقائع إلى أربع مرجعيات حاسمة للنظر، ليس فقط في درجة الديمقراطية التي عرفها اختيار قيادات البام، ولكن أيضا في مدى قانونيتها. ويتعلق الأمر بالدستور المغربي، وبالقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والنظام الأساسي لحزب الجرار ونظامه الداخلي.
بالنسبة للدستور المغربي، ينص الفصل 7 منه على أنه “ يجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية”. وكما تؤكد وقائع اختيار القيادتين في الحزب فلا علاقة لعملية اعتمادهما بالمبادئ الديمقراطية التي تعتمد أولا، على مبدأ المنافسة و ثانيا، على مبدأ التصويت، سواء كان تصويتا سريا باعتماد صناديق الاقتراع، أم تصويتا مباشرا برفع الأيدي، وثالثا، على الحسم بمنطق الأغلبية، و قد تكون تلك الأغلبية على شكل إجماع، رغم نذرته.
وبالنسبة للقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، جاء في الباب الثالث، “مبادئ تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها”، في المادة 25: يجب أن ينظم كل حزب سياسي ويسير وفق مبادئ ديمقراطية، تسمح لأي عضو من أعضائه بالمشاركة الفعلية في إدارة وتسيير مختلف أجهزته، كما يتعين مراعاة مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير شؤونه، ولاسيما مبادئ الشفافية و المحاسبة”.
وبالإضافة إلى ما ذكرناه تعليقا حول الفصل 7 من الدستور، فإن الطريقة التي تم بها تدبير انتخاب القيادتين في حزب الجرار لا علاقة لها، ليس فقط بمبادئ الديمقراطية، بل أيضا بمبادئ الحكامة الجيدة.
وبما أن المادة 24 من نفس القانون تفرض على الأحزاب التوفر على نظام أساسي ونظام داخلي، وحدد مضامينهما، سوف نعرض وقائع اختيار القيادتين معا على مواد الوثيقتين كما قدمهما موقع الحزب.
فيما يتعلق بنظامه الأساسي، جعل الحزب من بين أهدافه الواردة في المادة 3 “الانخراط في المبادئ الكونية للديمقراطية”، و في المادة 4 من نفس النظام التأكيد على أنه “ينظم الحزب وفق مبادئ الديمقراطية”. وغني عن الذكر أن ألف باء تلك المبادئ هي اعتماد التصويت السري و صناديق الاقتراع في انتخاب المسؤولين، على أساس من التنافس. وفي نازلة المؤتمر الأخير للحزب لا نجد شيئا من هذا.
وفيما يتعلق بالنظام الداخلي لحزب الجرار، حسب نفس المصدر السابق، نسجل الملاحظات التالية:
المادة 4 التي انفردت بالحديث عن التصويت العلني (برفع اليد أو الوقوف أو …) كانت واضحة في اعتماده فقط “في انتخاب أجهزة الحزب واتخاذ مقرراته”، أما انتخاب المسئولين كما سنرى فيعتمد مبدأ الاقتراع.
و سواء تعلق الأمر بالنسبة لانتخاب أمين الحزب على مستوى الجهة (المادة 14 ) أو انتخاب رئيس المجلس الوطني (المادة 51) أو انتخاب الأمين العام للمجلس الوطني (المادة 52) نجد نفس القاعدة القانونية، وتنص على أنه “ينتخب (المسؤول المعني) في الدور الأول من الاقتراع بالأغلبية المطلقة للمؤتمرين الحاضرين …” مع اشتراط أن يتقدم المرشح بمشروع لتطوير عمل الحزب في مجال مسؤوليته تناقشه الهيئة الانتخابية المعنية.
وفي وقائع انتخاب العمري والمنصوري، لا علم عن أن أحدا منهما قدم مشروعا تدارسته الهيئة الناخبة فالمرشحين لمك يكن يعلم بهم أحد إلا قبيل الدخول في عمليات التصويت. كما أنه ليس هناك اقتراع، والتصويت بالاقتراع يختلف جوهريا عن التصويت العلني برفع الأيدي أو البطاقات وغير ذلك، بل يتم بالتصويت السري حماية للناخبين و باعتماد أوراق التصويت وصناديق الاقتراع، ولجنة فرز وعمليات إحصاء الأصوات، وغير ذلك من الإجراءات. وما تم في حالة انتخاب المسئولين الباميين ليس اقتراعا.
وحتى لو فرضنا جدلا أن القاموس البامي يسمح بإدراج التصويت برفع الأيدي ضمن الاقتراع، فإن أي عملية إحصاء الأصوات لم تتم، ليتم اعتماد مبدأ الحسم في “الدور الأول من الاقتراع” كما هو واضح في النظام الداخلي . وهذه زلة قاصمة لظهر انتخاب العمري والمنصوري.
الأمر واضح، لكن الالتباس يطرحه كون المنصبين لم يتقدم لهما سوى مرشح واحد، وأن لا داعي لكل العمليات الإحصائية. وهذه الحجة مردودة، فمع وجود فراغ تشريعي في النظام الداخلي والأساسي لمعالجة حالات المرشح الوحيد، فوجود هذه الحالة لا يبرر الاكتفاء بالتصويت العلني بالطريقة المشوهة التي اعتمدت، بل لابد من اعتماد الإقتراع كما نص عليه النظام الداخلي، وإذا أعطت النتيجة إجماعا، وهو مستبعد، حسم الأمر كما في القانون، وإذا لم يكن إجماعا تحدثنا عندئذ عن الأغلبية، أو انتخاب بأقلية إذا امتنعت الأغلبية عن التصويت ورجحت نسبة “نعم” عن نسبة “لا”.
الخلاصة الموضوعية والعلمية هي أن انتخاب العمري والمنصوري، وفق المراجع السابقة، لا يمكن بالمطلق اعتباره ديمقراطيا، كما أن عرضه على النظامين الأساسي والداخلي لحزب الجرار يطرح، على أقل تقدير، شبهة عدم شرعية انتخابهما.
فهل يجرأ أحد ما من المعنيين بالديمقراطية الداخلية لحزب “التراكتور” على طرح الموضوع، والطعن في تلك الانتخابات؟
هذا أمر مستبعد، فالثلاث ساعات التي قضاها كل من الباكوري والعمري والمنصوري وبنشماس في الإجتماع المغلق الذي سبق عمليات الاقتراع للحسم في قيادات الحزب، كما أكدت المصادر الإعلامية المختلفة، وغياب المنافسة، بل وعزوف الباميين عنها وسحب ترشيحاتهم، يؤكد أن المؤتمر ينبغي أن ينتهي بما انتهى إليه، وأن عمليات التصويت ليست سوى مجرد ديكور لكسب شرعية انتخابية غير ديمقراطية و مشكوك في قانونيتها.
حسن بويخف

التعاليق (0)

التعاليق مغلقة.