الاتحاد الإفريقي أمام لحظة الحقيقة: هل يستمر في احتضان كيان بلا شرعية أممية ؟

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2025، صوّت مجلس الأمن الدولي على القرار رقم 2797، الذي تبنّى صراحة مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، باعتباره الأساس الواقعي الوحيد لحل النزاع الممتد منذ نصف قرن. ورغم ما حمله القرار من تحول نوعي في مقاربة المجتمع الدولي لهذا الملف، فإن المشهد الإفريقي لا يزال محكومًا بتناقض صارخ: اتحاد قاري يمنح العضوية لكيان لا تعترف به الأمم المتحدة ولا أغلبية أعضائه.

  • انقسام المواقف الإفريقية: من الاعتراف إلى التراجع

حين عادت المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 ، بعد انسحاب دام أكثر من ثلاثة عقود احتجاجًا على قبول عضوية ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، كان الهدف المعلن هو كسر عزلة القرار الإفريقي حول قضية الصحراء، وفتح مسار جديد يقوم على الحوار والواقعية. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت موازين المواقف داخل القارة تميل بوضوح لصالح الطرح المغربي.
اليوم، 75 في المائة من الدول الإفريقية تعبر عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، أو على الأقل لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، كما أكد ذلك الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطاب افتتاح الدورة التشريعية في أكتوبر 2024. أكثر من 22 دولة إفريقية افتتحت قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، وهو مؤشر سياسي ودبلوماسي يعكس التحول العميق في الوعي الإفريقي تجاه هذه القضية.
في المقابل، تقلّص عدد الدول التي لا تزال تحتفظ باعترافها بـ“البوليساريو” أو تمثيلها الدبلوماسي لديها، لتصبح أقل من نصف هذا الرقم، في وقت أعلنت دول محورية، مثل غانا وكينيا، دعمها الصريح للمغرب، بينما دخلت دول أخرى مثل نيجيريا وإثيوبيا في حالة حياد عملي، بحكم مصالحها المتنامية مع الرباط.

  • اتحاد في مأزق قانوني وسياسي

المفارقة اليوم أن الاتحاد الإفريقي يجد نفسه أمام امتحان مزدوج:
من جهة، هو يمنح عضوية لدولة غير معترف بها أمميًا، ومن جهة أخرى، يتبنى الأمم المتحدة نهجًا واقعيا يعترف بسيادة المغرب كأساس لأي حل سياسي. هذا الوضع يضع الاتحاد في حالة تعارض قانوني ومؤسساتي مع المنظومة الأممية التي يُفترض أنه شريك استراتيجي لها.
ويطرح ذلك سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للاتحاد الإفريقي أن يواصل احتضان كيان لا وجود له في الأمم المتحدة، ولا على أرض الواقع؟ وهل يمكن اعتبار هذا الوضع استمرارًا لإرث الحرب الباردة، حين كانت المنظمة القارية السابقة (منظمة الوحدة الإفريقية) تتأثر بالاستقطابات الإيديولوجية أكثر من الشرعية الدولية؟

  • التحول الواقعي للموقف الإفريقي

في السنوات الأخيرة، أفرزت الدبلوماسية المغربية تحولًا بنيويًا في مواقف القارة. فالمغرب اعتمد سياسة “الانخراط الذكي” بدل المواجهة، وعمل على بناء شراكات اقتصادية وتنموية مع مختلف العواصم الإفريقية، ما جعل كثيرًا من الدول تراجع حساباتها.
لم تعد المسألة مجرد تضامن سياسي، بل صارت مسألة مصالح استراتيجية: استثمارات مغربية في قطاعات الطاقة والفلاحة والمصارف والبنية التحتية، إلى جانب التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وهو ما جعل كثيرًا من العواصم تنظر إلى الرباط باعتبارها شريكًا إقليميًا فاعلًا، لا مجرد طرف في نزاع حدودي.

  • السيناريو المقبل: نحو تصحيح الوضع القاري

مع القرار 2797 الأخير، يجد الاتحاد الإفريقي نفسه أمام ضرورة إعادة تقييم عضوية ما يسمى “بالجمهورية الصحراوية” في ضوء المستجدات الأممية. فالإبقاء على هذا الوضع الاستثنائي يُضعف مصداقية الاتحاد، ويعطي انطباعًا بأنه يسبح عكس التيار الدولي.
من المتوقع أن يعمل المغرب، مدعومًا بتكتل واسع من الدول الإفريقية، على دفع المنظمة القارية نحو مواءمة مواقفها مع قرارات مجلس الأمن. وقد تكون الخطوة المقبلة هي فتح نقاش قانوني داخلي حول “شروط العضوية” في الاتحاد، في أفق تصحيح هذا الخلل التاريخي الذي يعود إلى سنة 1984.

  • لحظة الحقيقة الإفريقية

لم تعد قضية الصحراء مجرد ملف نزاع سياسي، بل أصبحت معيارًا لاختبار نضج القرار الإفريقي واستقلاليته. فالقارة التي تطمح إلى أن تكون قطبًا موحدًا وفاعلًا في النظام الدولي، لا يمكن أن تظل أسيرة كيان لا يعترف به العالم.
إن لحظة الحقيقة قد حانت: إما أن يختار الاتحاد الإفريقي الانسجام مع الشرعية الدولية ومسار الأمم المتحدة، أو يظل أسيرًا لقرارات الماضي التي تجاوزها التاريخ.