اتهم نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الجمعة 05 نونبر 2025، محمد مبديع، الرئيس السابق لجماعة الفقيه بن صالح، بارتكاب جرائم تتعلق بتبديد أموال عامة واستغلال النفوذ عبر استخدام أموال موضوعة تحت يده بحكم وظيفته، مؤكدا أن الوقائع المعروضة أمام المحكمة تُشكّل “شبكة فساد منظمة” استنزفت ميزانية الجماعة على مدار سنوات.
وخلال مرافعته، استند ممثل النيابة العامة إلى قرارات صادرة عن محكمة النقض شددت فيها أعلى هيئة قضائية على خطورة تبديد المال العام والجزاءات الزجرية المترتبة عنه. وأوضح أن معطيات الملف تكشف صورا متعددة للمشاركة في التبديد، أبرزها الدور المحوري الذي لعبته شركة “س.غ”، التي وصفها بأنها المستفيد الأكبر، بالنظر إلى أنها كانت تتوسط في الصفقات بين الجماعة والمنفذين مقابل مبالغ مالية ضخمة.
ووفق ما عرضه نائب الوكيل العام، فقد حصلت الشركة على صفقات بأثمان “خيالية” مقارنة بكلفة الإنجاز الحقيقية، مستشهداً بصفقة التبليط التي أبرمت بمبلغ 23 مليون درهم، في حين أسند تنفيذها لطرف آخر مقابل 75 مليون سنتيم فقط، وهو فارق اعتبره ممثل الحق العام دليلا على وجود “اختلالات بنيوية” في تدبير الصفقات.
وأشار إلى أن عدداً من الصفقات العمومية تم توجيهها بشكل مباشر لشركات محددة رغم عدم استحقاقها، مما أقصى مقاولات تتوفر على الشروط القانونية والتقنية. وقدم مثالاً بشركة “ظافطو” التي فازت بصفقة سنة 2016 قبل أن تُسحب منها بعد عام ويعاد طرح طلب عروض جديد توج بمنح الصفقة لشركة “س.غ” بمبلغ أعلى مما قدمته الشركة الأولى.
كما عرض وقائع أخرى تحدث فيها عن فوز شركات بشكل قانوني بعد فتح الأظرفة وتوفرها على أحسن عرض، ثم سحب الصفقة منها وتوجيهها لـ”س.غ”، ما اعتبره ممثل النيابة دليلاً على “نية مبيتة” تربط بين المتهم والشركة المعنية.
وفي محور التبديد، أبرز نائب الوكيل العام أن الجماعة كانت تتوفر على اعتمادات ضخمة – منها 48 مليون درهم – حين أعلنت عن بعض الصفقات، وهو ما اعتبره مؤشراً على ترتيب مسبق يهدف لاستنزاف المال العام. وأضاف أن شركة «س.غ» استفادت من صفقات بمئات الملايين، تفوق في مجموعها ملياري سنتيم، بينما مُنحت صفقات أخرى بسيطة لمقاولين أفراد مقابل مبالغ زهيدة، وهو ما وصفه بأنه “حرمان للمستحقين وإغداق على غير المؤهلين”.
وانتقل ممثل النيابة العامة إلى عرض حالات تزوير، قائلاً إن الملف يتضمن وثائق إدارية وعرفية “شُوهت فيها الحقيقة”، من بينها محضر التسليم المؤقت لصفقة سنة 2006 الذي أُنجز رغم عدم اكتمال الأشغال، وبمبالغ صُرفت بناء على وثائق “غير واقعية”. وأشار إلى أن المحضر لا يحمل توقيع ممثل الشركة، كما أكد ذلك شاهد من داخل الجماعة.
كما كشف عن توقيع محضر باسم عضو في لجنة تقنية دون علمه، إضافة إلى وجود وثائق مزورة ضمن محضر بدء أشغال صفقة 02/2015، من بينها عقود التزام وشهادات اعتماد تشير إلى إنجاز أشغال في مدن بركان ووجدة والناظور، بينما أكدت ممثلة إحدى الشركات، (هدى.ح)، أن “هذه الأشغال لم تُنجز إطلاقاً”، معتبراً شهادتها “إقراراً من داخل الشركة نفسها”.
وخلص نائب الوكيل العام إلى أن ما كشفته المناقشات من توجيه صفقات، وتضخيم فواتير، واستعمال وثائق مزورة، يشكل “دلائل واضحة” على ارتكاب أفعال جرمية يعاقب عليها القانون، مؤكداً أن الملف يتضمن مؤشرات قوية على وجود تزوير في محررات رسمية أُريد بها تبرير صرف أموال عمومية بطرق غير قانونية.
