من يعتقد أن الكوميديا في بلدنا عقيمة ولا تُبدع فنيا وفكريا، عليه أن يراجع أفكاره. من يصف فكاهة رمضان “بالحموضية” عليه تغيير قناعاته. نقول هذه العبارات ليس من باب إطلاق الكلام على عواهنه، وإنما نقول ذلك لأن فناني الفكاهة الرمضانية، قادهم الابداع إلى اكتشاف مفهوم متقدم في العلوم الاجتماعية، يكتشفون فيه صنفا من المعلمين اسمه “معلم لاصق فالدولة”.
نعم مفهوم في العلوم الاجتماعية، لأن فناني الفكاهة في رمضان ليس كما نعتقد أنهم يقدمون “فن الحموضية”، وإنما هم فنانون ومثقفون في العلوم الاجتماعية. إذا لم يكونوا كذلك، فكيف نفسر تراشق فنان مع فنانة من ساكنة التلفاز العمومي، باستعمال كل المعاني الاجتماعية السائدة في المقاهي وفي الابداع “التيكتوكي”… إذا لم يكونوا كذلك، فكيف نفهم جواب فنان يسكن في كل القنوات العمومية على سؤال حول غزة، فأبدع جوابا لم يتوصل إليه عالم الفن العالمي منذ شكسبير إلى هوليود مرورا بموليير، حين قال نحن نفهم فقط في الفن ولا نفهم في السياسة، ونحن مع دولتنا. حار الفلاسفة، وحار العلماء، وحار معهم المفكرون، في أي علم يمكن تصنيف هذا الجواب. لكنهم حين وجدوا وجه الفنان في كل شاشات رمضان، أدركوا الجواب وتوصلوا إلى حقيقة علمية وفنية مفادها أنهم حين لا يجدون وجه هذا الفنان في أحد القنوات العمومية، يتساءلون هل ينظرون إلى شاشة التلفاز العمومي أم أنهم يرون شيئا أخر.
معلم “لاصق فالدولة”…إنه مفهوم فني توصلت له “حموضية” عفوا “سيتكومات” شهر الصيام، الذي قال عنه الباري تعالى “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن”. وأول ما نزل من القرأن “اقرأ”، فأصبحنا نوصف بأمة “اقرأ”. هكذا يُبدع الفنانون في كوميديا رمضان، وهكذا ينظر فنانونا المثقفون للمعلم الذي ينتمي لأمة اقرأ والذي يُشكل العمود الفقري لنشر القراءة.
لا يشك أحد في أن فناني كوميديا رمضان يعرفون القراءة والكتابة، وإلا كيف يمكنهم أن يقرأوا ويحفظوا كلمات السيناريو. كما لا يشك أحد في أن من علَّمهم القراءة والكتابة هو المعلم “لي لاصق فالدولة”.
ألِفنا وجوها متخصصة في “حموضية” رمضان أو “سيتكومات” رمضان، سميها كما شئت. ألفنا هذه الوجوه حتى أصبحنا إذا غابت وجوههم عن إحدى القنوان العمومية نتساءل هل نشاهد تلفازنا المحترم، أم إننا ننظر لشيء آخر. هكذا يمكننا أن نفهم التصنيف الأخير لبلدنا في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، في المرتبة 120 وراء ثلاثة دول من المغرب العربي.
كل عام والكوميديا الرمضانية بخير، وكل عام والتنمية البشرية في بلدنا تسير سير السلحفاة.
سعيد الغماز