نحن أمام حكاية شهدتها مدينة أكادير قد تكون أكثر تشويقا من روايات هاري بوتر، كما قد تجمع جمهورا أكبر من الذي حج للمعرض الدولي لاستقبال كاتب الخيال والفانتازيا. لكنها حكاية تجمع بين الأمل والألم، لأنها تتعلق بغيور على المدينة، كان يحلم بوضع خبرته متطوعا لخدمة مدينته، ويساهم كباقي الشباب في استعمال كفاءته لتطوير بلاده. لكن واقع الحال قال له بالدارجة المغربية “مع من؟”.
من عالمه المهني، حيث كفاءته محفوظة، وقيمته العلمية معلومة، دخل الشاب الطموح باب تدبير الشأن المحلي لمدينة أكادير، وقد يكون لا يعلم أنه اقتحم واقعا عنيدا، فيه من المتربصين من يتحول في لحظة من ثعلب إلى غيور على المدينة. استقطاب الفاعل السياسي والحزبي لمثل تلك الكفاءات، وإشراكها في القرار، وفي التدبير، عمل محمود، بل هو جوهر عمل الفاعل السياسي والحزبي. فالحزب الذي لا ينفتح على كفاءات مدينته، مُعرَّض للفشل وفي أفضل الأحوال سيستعين في التدبير بكائنات انتخابية منعدمة الكفاءة، تُفرخ الرداءة وتقرر بعقول مغلقة. فتضيع المدينة وتضيع معها مصلحة المواطن، ليتم تعليق طموح التقدم والتطور والتدبير وفق قواعد الحكامة الجيدة إلى مرحلة لاحقة إن توفرت.
حسنا فعل، ذات يوم مضى، مدبرو الشأن المحلي بأكادير بفتحهم أسوار التدبير المحلي لمثل تلك الكفاءات التي تحتاجها مدينة الانبعاث. لكن الحكاية لم تقف عند هذا الحد، وكان على “رولنغ” كاتبة هاري بوتر، تشغيل قدراتها في الخيال، لتجعل تلك الكفاءة تنقلب إلى حملة إعلامية رهيبة، أخذ منها الشاب المتطوع لخدمة مدينته، نصيبا أوفر وسبابا أكبر لم يستثن حتى عائلته الصغيرة. فمن واقع مهني يعرف قيمته ويُقدر كفاءته، ويفتح له أبواب التدريس والعطاء في التعليم العالي، أصبح الشاب المتطوع بهلوانا في الشأن المحلي للمدينة، وهدفا مقصودا لحملة مغرضة تتقن كل فنون الاستهداف، وتتفن في قلب الموازين. انقلبت الأمور فصار مبدعو ثقافة البهلوان هم الغيورون على المدينة، والشاب المتطوع ليس سوى بهلوانا لا حاجة للمدينة لكفاءته، فالقوم طبعوا مع الرداءة وألفوا المستشار الذي لا يُبدع ولا يُنتج حتى لا نقول شيئا آخر.
لكن الواقع لا يرتفع… تبدلت الأحول في أكادير، ذهب فريق وجاء مخرج سلسلة هاري بوتر بفريق، وبقدرة قادر، تبخر أصحاب مصطلح “البهلوان” في ماء المحيط الأطلسي. فقد قطع عنهم المخرج الماء والهواء وحتى الكلام. ولربما تم تحنيطهم لإعادة إحيائهم حين تظهر الحاجة إليهم من جديد وفق مقولة “إن عدتم عدنا”. خسرت المدينة كفاءاتها، وعادت الأمور لرداءتها. وانتقل البهلوان من أكادير إلى كندا ليصير مستشارا لوزير الثقافة والاتصال مكلفا بمشاريع الهندسة المعمارية، ليس في أكادير، ولكن هناك بعيدا بعيدا… في شمال أمريكا حيث بلد اسمه كندا عضو في مجموعة العشرين أقوى اقتصاد في العالم. بلد يحتل الرتبة 10 كأقوى اقتصاد عالمي.
تلك هي خاتمة حكاية البهلوان الذي أصبح مستشار وزير في كندا…
هي حكاية من واقع مدينة أكادير وليس من خيال هاري بوتر، أهديها لمبدع فكر النهضة محمد عبدو الذي طرح السؤال “لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن” ففيها الجواب… فلتنعم كندا بكفاءات مدينتنا، وهنيئا مريئا لها بعقول مستنيرة، فهي تستحق تلك العقول مادامت ترفع من مقامها وتضعها في موضع المستشارين. ولتنعم أكادير بالمتخصصين في تحطيم كفاءاتنا وكل شيء جميل في مدينتنا، وهنيئا مريئا لها بجوقة البهلوانيين، فهي تستحق هؤلاء المهرجين مادامت ترفع من مقامهم وتضعهم في موضع المهندسين. كل عام ونحن في قاعة الانتظار، ننتظر قطار التنمية والتقدم، لعله يعود بعقول مدينتنا من كندا. ولعل هذه المرة يستفيد الجميع من الدرس، ولا يُحول كفاءة الشاب إلى بهلوان، بل يضعها في قامة المستشار كما فعلت معها كندا.
وإذا لم يعد القطار من كندا، فلننتظر مع مخرج ثقافة البهلوان نهاية التاريخ كما نظَّر له فوكوياما، في مكان غير بعيد عن كندا.
سعيد الغماز