الجمهور الإفريقي: اللاعب رقم 12 الذي لا يُهزم

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في ملاعب القارة السمراء، لا تكتمل المباراة عند صافرة الحكم ولا تُحسم بالأقدام وحدها. هناك لاعبٌ آخر حاضر دائمًا، لا يرتدي قميصًا ولا يغيب بداعي الإصابة: الجمهور الإفريقي — اللاعب رقم 12 الذي لا يُهزم.
من الدار البيضاء إلى داكار، ومن القاهرة إلى كيب تاون، يتحول المدرج إلى مسرحٍ نابض بالحياة. الأهازيج تُصاغ من الذاكرة الجماعية، الطبول تُعلن الإيقاع، والأعلام تُحاكي أحلامًا أكبر من مباراة. هذا الجمهور لا يشجّع فقط؛ هو يشارك في اللعب — يرفع المعنويات حين تتراجع، ويُربك الخصم حين يشتد الضغط. شغف إفريقي خالص، تُورَّث فيه محبة الكرة كما تُورَّث الحكايات.
قوة الجمهور الإفريقي ليست في العدد فحسب، بل في الانتماء. كرة القدم هنا ليست ترفيهًا عابرًا، بل لغة مشتركة تجمع القبيلة والمدينة، الماضي والحاضر. حين يتأخر الفريق بهدف، لا يصمت المدرج؛ يعلو الهتاف كأنّه وعدٌ بالعودة. وحين يأتي الهدف، يهتز الملعب كزلزالٍ من الفرح، وكأن القارة بأكملها تحتفل.
ومع تنظيم بطولة كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، تتجه الأنظار إلى جمهورٍ عُرف تاريخيًا بوعيه الكروي وشغفه الصادق: الجمهور المغربي. جمهورٌ لا يكتفي بالتشجيع، بل يُتقن فن الدعم الذكي، يحفّز لاعبيه باحترام، ويحتفي بالكرة الجميلة مهما كان لون القميص. في مدرجاته، تمتزج الحماسة بالروح الرياضية، وتتحول الملاعب إلى فضاءاتٍ للفرح الإفريقي المشترك.
الجمهور المغربي، وهو يستقبل جماهير القارة، لا يلعب فقط دور اللاعب رقم 12 لمنتخبه، بل يصبح سفيرًا للضيافة، وصوتًا لوحدة إفريقية تعشق كرة القدم. إنه جمهور يعرف أن البطولة ليست مجرد تنافس، بل احتفال بالهوية، وبالحلم الإفريقي الكبير.
تاريخيًا، صنعت هذه الروح الفارق في مبارياتٍ مصيرية وبطولاتٍ كبرى. كم من فريقٍ وجد في جمهوره دفعةً قلبت النتيجة، وكم من خصمٍ تعثّر أمام جدارٍ من الصوت والإيمان. في إفريقيا، الميزة الأرضية ليست جغرافيا فقط؛ إنها طاقة بشرية خالصة.
لهذا يُقال إن الجمهور الإفريقي لا يُهزم: لأنه يلعب حتى آخر ثانية، يؤمن حتى آخر نفس، ويغني حتى آخر حلم. هو اللاعب رقم 12… وربما الأهم.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً