الولادة المغربية للبوليساريو: من بويزكارن مرورًا بأكادير إلى الرباط… قصةُ شبابٍ مغاربةٍ ضلّوا الطريق بين التحرير والانفصال

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لم تولد جبهة البوليساريو في فراغ سياسي، بل في سياقٍ معقدٍ من الاحتلال الإسباني للصحراء المغربية، والتجاذبات الإقليمية في شمال إفريقيا خلال سبعينيات القرن الماضي.
لكن ما يغيب عن كثير من التحليلات هو أن أغلب مؤسسي الجبهة كانوا شبابًا مغاربة من أصول صحراوية، تلقوا تعليمهم في المؤسسات المغربية، وتشبعوا بالفكر الوطني قبل أن تأخذ الجبهة مسارًا مختلفًا عن أهدافها الأولى.

  • من فصول الدراسة إلى شرارة التأسيس

تعود البدايات إلى مجموعة من الطلبة الصحراويين الذين التقوا في مسارهم الدراسي بمدينة بويزكارن، حيث تابعوا دراستهم الإعدادية في إعدادية محمد الشيخ، ثم انتقلوا إلى أكادير لإتمام المرحلة الثانوية في ثانوية يوسف بن تاشفين، قبل أن تجمعهم الجامعة مجددًا في جامعة محمد الخامس بالرباط.
في الرباط، انخرط هؤلاء الشباب في النقاشات السياسية والفكرية التي كانت تعج بها الساحة الطلابية في ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي. كانوا يتأثرون بالمد القومي العربي وحركات التحرر الإفريقية، وبدت لهم قضية الصحراء المحتلة من طرف إسبانيا واجبًا وطنيًا يستحق التنظيم والمبادرة.

  • الهدف الأول: التحرير لا الانفصال

وفق شهادة المحجوب السالك، أحد مؤسسي الجبهة، فإن الغاية الأولى من تأسيس البوليساريو سنة 1973 كانت “تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار الإسباني”، وليس الانفصال عن المغرب.
ويؤكد السالك أن الشباب المؤسسين كانوا يحملون الجنسية المغربية، ويعتبرون أنفسهم امتدادًا للحركة الوطنية التي حررت باقي مناطق المغرب من الاستعمار الفرنسي والإسباني.
لكن، كما يروي السالك، اصطدم هؤلاء الشباب بـ”جدار من اللامبالاة” حين حاولوا الانخراط في الأحزاب الوطنية المغربية للمطالبة بتحرير الصحراء، وهو ما دفعهم إلى تأسيس تنظيم مستقل يتبنى الكفاح المسلح ضد الاستعمار الإسباني.

  • من طانطان إلى تندوف: حين صِيد الحلم المغربي

بعد أن سُدّت الأبواب أمامهم داخل الساحة الحزبية المغربية، قرر هؤلاء الشباب تأسيس حركتهم انطلاقًا من مدينة طانطان، القريبة من مناطق الاحتلال الإسباني. غير أن هذا الحلم الوطني لم يدم طويلًا؛ إذ سرعان ما اصطادهم أعداء المغرب وعلى رأسهم معمر القذافي، الذي مدّهم بالأموال والعتاد تحت غطاء دعم “حركات التحرر”، بينما كان هدفه الحقيقي زعزعة استقرار المغرب.
وحين فطنت الجزائر لتحركات النظام الليبي، وخشيت من تمدد النفوذ الليبي نحو الغرب ومن ضياع حلمها بالحصول على منفذ نحو المحيط الأطلسي، سارعت إلى تبنّي الجبهة وإيوائها في تندوف.
لم تكتف الجزائر بذلك، بل جمعت أعدادًا كبيرة من المرتزقة القادمين من دول الجوار وأسكنتهم مع العناصر الأصلية للجبهة في مخيمات تندوف، ما أدى إلى تذويب المؤسسين الأوائل وسط كتلة بشرية دخيلة، وتحويل الحركة عن مسارها الوطني الأصلي.
ومنذ ذلك الحين، وجد هؤلاء الشباب أنفسهم متورطين في حربٍ لا تشبههم، وحين حاول بعضهم التعبير عن رفضه لما يجري، كان مصيره الاغتيال أو السجن في زنازين تحت الأرض.

  • تحوّل المسار: من الاستقلالية إلى التبعية

بعد أشهر قليلة من التأسيس، بدأ التحول الخطير في مسار الجبهة. فمع دخول ليبيا والجزائر على الخط، تغيّرت الأهداف من تحرير الأرض إلى مشروع الانفصال السياسي عن المغرب.
الجزائر، التي كانت آنذاك في خلاف حاد مع الرباط حول الحدود، وجدت في الجبهة أداة مناسبة لتقويض النفوذ المغربي في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، فقدت الجبهة استقلالية قرارها، وأصبحت أداة سياسية في صراع إقليمي طويل الأمد.

  • الأسماء المؤسسة ودلالتها
    من أبرز المؤسسين:
    -الولي مصطفى السيد (الأمين العام الأول للجبهة)
    -البشير مصطفى السيد
    -المحجوب السالك
    -سيد أحمد بيد الله
    -محمد أحمد البطل
    -وآخرون انسحبوا عندما فطنوا لتدخل الأجانب في مسار الحركة.

القاسم المشترك بينهم أنهم تلقوا تعليمهم داخل المنظومة المغربية، ما يجعل من تأسيس البوليساريو حدثًا مغربيًا في الأصل، نشأ داخل بيئة مغربية فكرًا وهويةً وثقافةً.

  • الجبهة التي فقدت بوصلتها

من الواضح أن جبهة البوليساريو، كما صممها مؤسسوها الأوائل، كانت حركة وطنية تسعى لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني، لكنها تحولت بفعل التدخلات الخارجية إلى حركة انفصالية فقدت بوصلتها الأصلية.
واليوم، بعد مرور أكثر من خمسة عقود على التأسيس، تعود شهادات المؤسسين أنفسهم ، مثل المحجوب السالك ، لتؤكد أن ما بدأ كفكرة مغربية لتحرير أرض مغربية، تحول إلى ملف سياسي معقّد تهيمن عليه أجندات دول الجوار.

  • خاتمة

إن إعادة قراءة تاريخ تأسيس البوليساريو من خلال سيرة مؤسسيها، الذين تخرّجوا من إعدادية محمد الشيخ ببويزكارن وثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير، وتكوّن وعيهم الوطني في جامعة محمد الخامس بالرباط، تكشف بوضوح أن القضية الصحراوية في أصلها كانت مطلبًا وطنيًا مغربيًا قبل أن تتحول إلى ورقة إقليمية.
إنها قصة شباب حملوا حلم التحرير، لكن الرياح السياسية في المنطقة جعلت سفينتهم تبحر في اتجاه آخر.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً