الإعلام الجزائري يكتشف سلاح الدمار الشامل : التمور التونسية ضد المغرب

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

يبدو أن الإعلام الجزائري لا يترك فرصة تمرّ من دون أن يلتقطها بعدسته المشوّهة ليوجّه سهامه نحو المغرب، حتى لو كانت القصة لا تتجاوز… تمرة تونسية!
فبينما نشرت مواقع تونسية الخبر ببرودة تامة، باعتباره قراراً فنياً أو تجارياً قابلاً للتفسير لاحقاً، تحوّل الأمر في إحدى المواقع الإخبارية الجزائرية إلى حدث “إقليمي خطير” يُقرأ وكأنه انتصار دبلوماسي جديد ضد “العدو المغربي”!
نعم، تخيّلوا… قرار إداري من مجمع مهني تونسي يتحوّل، بقدرة إعلام جزائري، إلى صفعة استراتيجية للمملكة المغربية

  • من تحليل البلاغ إلى تحليل الأوهام

الخبر في أصله بسيط: بلاغ صادر عن المجمع المهني المشترك للتمور في تونس، يعلن بدء موسم تصدير التمور مع استثناء السوق المغربي.
لا تفسير رسمي، لا تصريح سياسي، ولا حتى كلمة “خلاف” وردت في البيان.
لكن في الجزائر، لا حاجة إلى الأسباب… لأن النتيجة جاهزة سلفاً: “أي شيء يضرّ المغرب فهو مكسب قومي!”
وبينما يجتهد بعض المحللين التونسيين في تفسير القرار من زوايا اقتصادية أو تجارية بحتة، خرجت أقلام جزائرية تتحدث عن “تداعيات جيوسياسية” و“توتر في العلاقات المغاربية”، وكأن المجمع التونسي قرّر منع التمور بإيعاز من مجلس الأمن

  • إعلام يبحث عن المغرب كما يبحث العطشان عن الماء

الحقيقة أن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في الجزائر يعيش حالة من “الهوس المغربي” المزمن.
من الطائرات المسيّرة إلى مباراة كرة قدم، ومن التمور إلى تصريحات فنان مغربي… لا تمرّ ساعة من دون خبر يحمل شحنة سخرية أو شماتة تجاه الرباط.
حتى القرارات التي لا علاقة لها بالمغرب تُفسَّر وكأنها موجهة إليه.
تغلق تونس طريقاً زراعياً؟ “ضربة للمغرب”.
ترفع إسبانيا رسوماً على الصادرات؟ “تضييق على المغرب”.
تغيّر فرنسا وزيراً؟ “صفعة جديدة للمغرب”.
بات واضحاً أن الإعلام الجزائري يبحث عن المغرب في كل مكان، كما يبحث الفلكي عن كوكب جديد في مجرّة بعيدة.

  • التمور لا تصنع سياسة

لو افترضنا أن تونس قررت فعلاً توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى لأسباب ربحية أو لوجستية، فهل يعني ذلك أن العلاقات المغربية–التونسية دخلت مرحلة الجليد؟
بالطبع لا. فالتجارة موسمية، والمصالح متبدّلة، والدول لا تُقاس بعقود بيع التمر، بل بعمق الروابط السياسية والثقافية والاقتصادية التي تتجاوز مثل هذه القرارات المؤقتة.
لكن في الإعلام الجزائري، تُقدَّم التمور كما تُقدَّم الصواريخ الباليستية: “سلاح استراتيجي جديد في وجه المملكة المغربية!”

  • بين الغيرة والغرابة

الغريب أن هذا الإعلام لا يتحدث أبداً عن العلاقات الجزائرية–التونسية نفسها، التي تمرّ بين الحين والآخر بتوترات اقتصادية مكتومة، ولا عن معاناة المزارعين الجزائريين الذين يشتكون من كساد تمورهم بسبب ضعف التصدير.
بل يتفرغ لتتبّع كل ما يمكن أن “يؤذي المغرب معنوياً”، حتى لو كان ذلك على حساب مصداقيته الصحفية.

  • خلاصة القول

إنّ ما نشره الموقع الجزائري حول منع تصدير التمور إلى المغرب لا يعبّر عن حدث اقتصادي بقدر ما يكشف عن عقدة إعلامية لا شفاء منها.
فالجزائر الرسمية، ومن ورائها إعلامها، تبحث في كل ركن عن فرصة لتصوير المغرب على أنه الخاسر الوحيد في كل مشهد، حتى لو كان المشهد… مجرد نخلة تونسية لا تعرف شيئاً عن السياسة!
ربما حان الوقت ليُقال:
اتركوا المغرب في حاله، ودعوا التمور لتونس، والكرامة للإعلام الحر.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً