حين يظنّ النظام الجزائري أنّ القارّة تنتظر مؤتمره لتبدأ التطوّر!

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

قبل الدخول في تفاصيل هذا المقال، من المهمّ التأكيد على أنّني لا أقصد بأيّ شكل من الأشكال السخرية من الشعب الجزائري الشقيق، ولا أنتقص من مكانته أو نضاله أو قيمته. فالشعب الجزائري يبقى شعباً عزيزاً ومحبوباً، تجمعه بالمغاربة روابط أخوية وتاريخية ودينية ولغوية وثقافية وإنسانية لا تمسّها الخلافات السياسية.

إنّ الهدف من هذا المقال هو تسليط الضوء على الطريقة التي يتعامل بها النظام العسكري الجزائري مع القضايا الإقليميّة، وعلى رأسها موقفه الثابت وأحياناً المتشنّج إزاء المملكة المغربية.

ومن المهم التوضيح هنا أنّ المنافسة بين الدول أمر مشروع ومطلوب، بل هي محرّك أساسي للتطور والابتكار. غير أنّ ما يقوم به النظام الجزائري لا يدخل ضمن إطار المنافسة الشريفة، بل هو للأسف أقرب إلى الحسد والبغض والحقد تجاه كل خطوة ينجح فيها المغرب، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الشعب الجزائري الذي يستحقّ تنمية حقيقية وفرصاً واقعية.

  • إفريقيا ليست شعارات: كيف سبق المغرب الجزائر بخطوات ثابتة؟

يبدو أنّ النظام الجزائري استيقظ أخيراً ليكتشف أنّ إفريقيا ليست قارّة تُذكر فقط عند صياغة الشعارات، بل فضاءٌ اقتصادي وحضاري مفتوح أمام المبادرات الجادّة. ومن هنا انطلقت موجة المؤتمرات والخطابات التي وُصفت بأنّها “نقطة تحوّل تاريخية”، رغم أنّها تبدو في الواقع أقرب إلى محاولة اللحاق بقطارٍ انطلق منذ سنوات… من الرباط والدار البيضاء تحديداً.
فجأة ظهر النظام الجزائري متحدثاً بثقة عن “قيادة القارة في الابتكار” و“احتضان المؤسّسات الناشئة”، وكأنّ إفريقيا كانت تنتظر هذا المؤتمر ليبدأ التطوّر. أرقام ضخمة، وعود برّاقة، منصّات مزيّنة… كل شيء مُعدّ بعناية ليُظهر ثورة اقتصادية، لكنها للأسف ثورة مُصوَّرة أكثر مما هي مُنجزة.
المفارقة أنّ الجزائر الرسمية لم تبدأ البحث عن “الهوية الإفريقية” إلّا حين رأت أنّ المغرب نجح فعلياً في تأسيس شبكة اقتصادية ودبلوماسية واسعة داخل القارّة، عبر الاستثمار والمشاريع والشراكات، وبعمل متواصل يمتدّ لعقود وليس ليوم افتتاح مؤتمر.

  • المغرب… حين يصبح العمل أفضل من الخطابة

بينما انشغل النظام الجزائري بالكاميرات واللافتات، كان المغرب يفتح البنوك في إفريقيا، ويُطلق مشاريع الطاقة والتكوين، ويعقد شراكات اقتصادية تمتدّ من غرب القارة إلى شرقها.
لم تكن الغاية صوراً تذكارية أو خطابات مطوّلة، بل بناء ثقة حقيقية مع الشعوب والحكومات الإفريقية من خلال:

  • استثمارات فعلية في البنية التحتية
  • شراكات مالية ومصرفية عابرة للحدود
  • مشاريع طاقة متجددة
  • تكوين الكفاءات وتبادل الخبرات
  • حضور دبلوماسي نشط ومتوازن
    وحين يتحدّث المغرب عن إفريقيا، فهو يتحدث بلغة يفهمها الأفارقة: لغة المشاريع والنتائج.
  • أمّا في الجزائر… فالابتكار يبدأ وينتهي على المنصّة الرسمية

النظام الجزائري أعلن عن “20 ألف مؤسسة ناشئة”، و“صندوق قارّي لدعم الشباب”، و“ثورة رقمية”… وكأنه اكتشف فجأة القارّة الإفريقية كما لو أنه وجد كنزاً مدفوناً.
لكن السؤال البديهي:

  • أين الإنجاز الحقيقي على الأرض؟
  • أين المستثمرون الذين توسّعوا فعلاً؟
  • أين المشاريع التي خرجت من هذه المؤتمرات إلى الواقع؟
    حتى العديد من المشاركين لم يعرفوا ما إذا كانوا في فعالية اقتصادية… أم أمسية خطابية مطوّلة.
    الأرقام الضخمة تبدو معدّة لإبهار الكاميرا أكثر مما تهدف لإقناع المستثمر. أمّا المنظومة القانونية التي جرى الترويج لها، فهي جميلة جداً… إلى درجة تدفع إلى الشك بأنها مصمّمة للعرض الإعلامي فقط.
  • الفرق بين الدولتين؟ بسيط جداً:
  • المغرب
    يعمل، يستثمر، يوقّع الاتفاقيات، يبني، يكوّن الشباب الإفريقي، ويعزّز التعاون جنوب جنوب.
  • النظام الجزائري
    يعقد مؤتمراً، يلقي خطاباً، يرفع شعاراً… ثم يبدأ الاستعداد لمؤتمر آخر.
  • المسرحية الرسمية مستمرة
  • في الجزائر:
    الصورة أولاً… ثم يأتي التفكير في البقية.
  • في المغرب:
    العمل أولاً… والصورة تأتي تلقائياً بعد النتائج.
  • الخلاصة

يمكن للنظام الجزائري أن يعلن الأرقام التي يريد، وأن ينظّم مؤتمرات متتالية ويملأ القاعات بالتصفيق.
لكن لا يمكنه أن يزيّف ثقة القارّة.
ولا يمكنه اللحاق بدولة مثل المغرب، بنت حضورها الإفريقي عبر عقود من العمل الجاد، لا عبر ساعات من الخطابة.
إفريقيا لا تُفتح بالشعارات… بل بالحضور الفعلي على الأرض.
والمغرب هناك منذ زمن.
فاسألوا التاريخ عن الإمبراطورية المغربية، فهو يشهد على إرثها العميق في إفريقيا: من الإدريسية (788–974م) التي أرست دعائم الدولة، إلى المرابطية (1040–1147م) التي وسعت النفوذ، ثم الموحدية (1147–1269م) التي هيمنت على شمال أفريقيا والأندلس، مرورًا بالسعدية (1510–1659م) التي امتدت إلى السودان الغربي، وصولًا إلى العلوية (1666م إلى اليوم) التي حافظت على وحدة المغرب وعزته. وكانت العلاقة بين هذه الإمبراطوريات والشعوب الإفريقية قائمة على الدعم المتبادل، ونشر الدين الحنيف، والتعاون في تلبية الاحتياجات، وتبادل الخبرات والإمدادات، ما جعل تاريخ المغرب قصة قوة، امتداد، وبصمة إنسانية ودينية لا تُنسى في قارة إفريقيا.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً