بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تحتضن مدينة فاس التاريخية هذه الأيام الدورة السنوية السابعة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، في حدث يجمع نخبة من العلماء والمفكرين من 48 دولة إفريقية، في إطار رؤية واضحة لتعزيز الوحدة الروحية والحفاظ على الثوابت الدينية في القارة. هذا الحدث، الذي يمتد إلى 7 ديسمبر الجاري، ليس مجرد اجتماع علمي، بل هو تجسيد عملي للسياسة الدينية المتزنة التي تنتهجها المملكة المغربية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، الضامن لوحدة المرجعية وحفظ الدين.
- المغرب: بلد القرآن والشرفاء
اختيار فاس مقرًا لهذا المجلس لم يكن اعتباطيًا، فهو يعكس امتداد المغرب التاريخي والروحي نحو إفريقيا، ويعكس أيضًا عمق المكانة التي يحظى بها المغرب كبلد للشرفاء والقرآن الكريم. فقد شهدت بعض بلدان القارة محاولات للتشويش على عقيدتها، الأمر الذي يجعل من وجود إطار علمي موحد كالمؤسسة ضرورة لا غنى عنها لمواجهة التطرف، وتوحيد الجهود الرامية إلى صون الهوية الدينية والثقافية للشعوب الإفريقية.
- المؤسسة: منبر للتعاون والتجديد
أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تشكل ركيزة أساسية لتعزيز التعاون الروحي بين بلدان القارة، من خلال برامج متنوعة تشمل العناية بالقرآن الكريم، والحديث الشريف، وتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين. حتى اليوم، استفاد نحو 1500 مرشد ومرشدة من التكوين بالمؤسسة، ما يعكس نجاح النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال.
وقد شهدت الدورة الحالية مشاركة متميزة للمرأة العالمة، حيث شكلت نحو 60 عالمة من بين 300 عالم مشارك، وهو مؤشر واضح على الدور المتنامي للمرأة في الحقل العلمي والديني في إفريقيا والمغرب، وعلى إيمان المؤسسة بأهمية إشراك المرأة في صنع القرار الديني وتعزيز الحوار العلمي والثقافي.
- انعكاسات الحدث على المستوى القاري
انعقاد هذه الدورة السنوية يعكس قدرة المؤسسة على جمع علماء من 48 دولة إفريقية في فضاء موحد للتعارف وتبادل الخبرات، ما يجعل من فاس مركزًا معرفيًا وروحيًا يربط بين القلوب المؤمنة في مختلف أنحاء إفريقيا. وأكد علماء مشاركون، مثل عبد القادر الشيخ علي إبراهيم من الصومال وشيخ الأئمة عثمان دياكيتي من كوت ديفوار، أن المؤسسة توفر فضاء موحدًا للحوار وتوحيد الخطاب الديني بما يحمي الأجيال الصاعدة ويضمن استمرارية القيم والأخلاق المشتركة.
- برامج مستقبلية ورؤية مستدامة
تطرقت الدورة الحالية إلى إعداد تصور شامل للاحتفاء بمرور خمسة عشر قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، بما يعزز نشر سيرته وأخلاقه في المجتمعات الإفريقية. كما تضمنت الأنشطة تكريم شخصيات علمية بارزة، وتوزيع جوائز للمتميزين في المسابقات العلمية والثقافية، ما يعكس الاهتمام بالعنصر البشري كمحرك أساسي للحفاظ على المرجعية الدينية وتعزيز التعليم القرآني والحديثي، سواء للرجال أو النساء.
- خلاصة
إن مجلس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ليس مجرد تجمع علمي، بل هو تجربة رائدة تبرز الدور القيادي للمغرب في تعزيز الوسطية والاعتدال في العالم الإفريقي. كما أنه يشكل نموذجًا متقدمًا في تنسيق الجهود بين العلماء الأفارقة، ليصبح المغرب بلدًا للقرآن والشرفاء، ومركزًا إشعاعيًا حضاريًا وروحيًا في إفريقيا. ومن خلال مشاركة نحو 60 عالمة ضمن 300 عالم، يبرز بوضوح التزام المؤسسة بإشراك المرأة في تعزيز المرجعية الدينية ونشر قيم العلم والاعتدال، ما يجعل هذا المجلس نموذجًا حقيقيًا للتجديد الديني والتعاون القاري.


التعاليق (0)