عبدالله بن عيسى
نعيش اليوم في زمنٍ تتشابك فيه المصالح بالشعارات، وتتقاطع فيه الحسابات الضيقة مع لغة الوطنية، يصبح الانحياز للحقيقة والمواطن هو الموقف الوحيد الذي لا يُشترى ولا يُساوَم. إنّه الحدّ الفاصل بين من يبني وطنا بقلبه وعقله وضميره، ومن يهدمه بأدوات المال والسلطة والنفاق السياسي.
هذا، ولقد تحوّل جزء من الممارسة السياسية، للأسف، إلى سوق للمزايدات أكثر منه إلى مجالٍ لخدمة الشأن العام. تتقدّم الشعارات في المناسبات، وتُرفع اللافتات المزيّنة بالكلمات الكبيرة: “الإصلاح”، “الشفافية”، “المصلحة الوطنية”؛ لكن خلفها تُدار صفقات ومناورات تُفرّغ الخطاب من جوهره. لم يعد المواطن يصدّق بسهولة، لأنّه خبر التجارب، ورأى كيف تُغتال الثقة في وضح النهار باسم “التنمية” و“التمثيلية”.
ما ينقص اليوم ليس الخطابات ولا البرامج، بل الصدق. فحين يغيب الصدق عن الممارسة، تُصبح السياسة لعبةَ مقاعد ومصالح، لا وسيلةَ بناءٍ جماعيّ. والمفارقة أن الشعارات التي تُرفع باسم المواطن، كثيرًا ما تُستخدم لتبرير قراراتٍ تُقصيه أو تُهمّشه.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن هناك فئة من الفاعلين العموميين الذين لا يزالون يشتغلون في صمت، يضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ويدفعون ثمن مواقفهم من حريتهم أو فرصهم أو مواقعهم. هؤلاء هم من يُذكّروننا بأن السياسة يمكن أن تكون أخلاقًا، وبأن الوطنية ليست ترفًا لغويًا بل سلوكًا يوميًا ومسؤولية أخلاقية.
اليوم، يحتاج المغرب ، وكل بلد يحلم بالتنمية الحقيقية، إلى استعادة تلك القيم البسيطة التي تصنع الفرق… الصدق، النزاهة، الإخلاص.
نحتاج إلى أن نعيد تعريف “النجاح” السياسي، لا بالعدد ولا بالظهور الإعلامي، بل بمدى الأثر في حياة الناس. فالمواطن لم يعد يقيس الخطاب بالنبرة، بل بما يراه من نتائج ملموسة في المدرسة والمستشفى والشارع.
إنّ من يبني وطنًا بالصدق لا يحتاج إلى تبرير، ومن يهدمه بالمال والنفوذ والنفاق لن يُفلح مهما زيّن خطابه. التاريخ لا يحفظ الشعارات، بل يحفظ الأفعال.
التعاليق (0)