بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
إن الوقفات السلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة حق لا ينازع فيه أحد، بل هي عنوان وعي الشعوب ووسيلة حضارية للتعبير عن مطالبها. لكن ما وقع في الآونة الأخيرة زاغ عن هذا الإطار الشريف، وتحول إلى شغب وفوضى وانفلات، سعى بعض المندسين إلى استغلاله لضرب استقرار الوطن وتشويه صورته. وهنا يطرح السؤال المرير: أين الحس الوطني الذي يحصّن شبابنا من الانجراف وراء هذه المظاهر السلبية؟
الحس الوطني ليس شعارًا يُرفع في المباريات، ولا نشيدًا يُردد في المناسبات، بل هو نبض حيّ يربط المواطن بأرضه، شعور صادق بأن الوطن بيتنا جميعًا، وأن حمايته مسؤوليتنا قبل أن تكون مسؤولية غيرنا. فإذا ضعف هذا الحس، وجد أعداء الداخل والخارج منفذًا لبث سمومهم، وتجند الماجورون ليزرعوا الفتنة ويغذّوا التخريب.
لقد تعلّمنا من تاريخ هذا البلد الطيب أن الأزمات مهما عظمت لا تُكسر إرادتنا. مرّت بنا حروب وضغوط ومحن كادت أن تعصف بنا، لكننا خرجنا منها أكثر قوة وصلابة، لأن قيادتنا الحكيمة وشعبنا الأبي تلاحما في خندق واحد. ومن رحم الشدائد، وُلدت الوطنية شعلة مضيئة زادتنا صمودًا وثقة. فالأوطان لا تحيا بالاقتصاد وحده ولا بالقوة العسكرية فقط، بل بحب أبنائها ووفائهم وتشبثهم بالثوابت.
إن الأسرة هي أول مدرسة للوطنية، والمدرسة امتدادها الطبيعي، والمجتمع هو الميدان الذي يُختبر فيه صدق الانتماء. وحين غابت مواد أساسية مثل التربية الوطنية من مناهجنا، فقدنا إحدى أهم قنوات غرس الانتماء في الأجيال. نحن لا نطالب بالعودة إلى الكلاسيكية الجامدة، ولكننا نؤكد أن لكل جيل وسائله وأساليبه، غير أن الوطن سيبقى دومًا الثابت الأعلى الذي لا يقبل مساومة.
إن تعزيز الحس الوطني واجب الساعة، ولن يتحقق إلا إذا تكاملت الجهود:
- الأسرة التي تربي على حب الوطن كقيمة يومية.
- المدرسة التي تُغذي هذا الحب بالمعرفة والقيم.
- الإعلام الذي يرفع منسوب الوعي بدل بث التيئيس والتفاهة.
- المجتمع المدني الذي يفتح للشباب فضاءات المشاركة والالتزام.
- الدولة التي تضمن العدالة والإنصاف وتمكين الشباب من الحلم في وطنهم.
أيها الشباب… يا أبناء هذا الوطن العزيز: أنتم الأمل، أنتم الحاضر والمستقبل، أنتم حماة هذا البيت الكبير الذي اسمه الوطن. فاحفظوا عهد أجدادكم الذين ضحّوا بالغالي والنفيس كي ترفعوا أنتم اليوم الراية عالية خفاقة. لا تسمحوا للماجورين ولا لدعاة الفتنة أن يسرقوا منكم هذا المجد، ولا تتركوا وطنكم عرضة للتبخيس والتشكيك. إن قوتنا في وحدتنا، وعزتنا في انتمائنا، وأمننا في تمسكنا بثوابتنا.
فلنرفع جميعًا صوتًا واحدًا: الوطن فوق كل اعتبار.
ولنغرس في قلوبنا حقيقة لا تقبل النقاش: الحس الوطني… وقود الاستقرار ودرع المستقبل. فمن دونه، نصبح عرضة للانقسام والتشتت، ومعه نصنع الغد الآمن، ونبني مستقبلًا يليق بتاريخنا وتضحيات أجدادنا.
التعاليق (0)