مغرب الشعوب الإفريقية: حين تتحول الجغرافيا إلى إنسانية مشتركة

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

لم يعد حضور أفارقة جنوب الصحراء في المدن المغربية مشهدًا عابرًا أو استثناءً ظرفيًا، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية في شوارع الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وفاس والداخلة والعيون وأكادير وغيرها من الحواضر المغربية. في المقاهي، ووسائل النقل، وأماكن العمل، والأسواق الشعبية، يعيش هؤلاء القادمون من عمق القارة الإفريقية حياة تبدو طبيعية، قريبة في إيقاعها وتفاصيلها من الحياة التي تركوها في بلدانهم الأصلية. هذا الواقع يفرض سؤالًا جوهريًا: هل أصبح المغرب فضاءً إفريقيًا جامعًا، لا مجرد محطة عبور أو بلد استقبال مؤقت؟
لقد تحوّل المغرب خلال العقدين الأخيرين من بلد عبور نحو أوروبا إلى بلد استقرار نسبي لآلاف المهاجرين الأفارقة. هذا التحول لم يكن صدفة، بل نتاج عوامل متعددة، من بينها الاستقرار السياسي، والانفتاح الاقتصادي، والسياسات الرسمية التي اعترفت بالهجرة كواقع بنيوي لا كحالة طارئة. غير أن العامل الأعمق يظل مرتبطًا بطبيعة المجتمع المغربي نفسه، المعروف تاريخيًا بثقافة الضيافة والتعايش مع الآخر.
في الأحياء الشعبية كما في الفضاءات الحضرية الحديثة، يندمج الأفارقة جنوب الصحراء في نسيج الحياة اليومية، يشتغلون، يدرسون، يؤسسون مشاريع صغيرة، ويتشاركون الفضاء العام مع المغاربة دون مظاهر صدام واسعة. هذا الاندماج، وإن لم يخلُ من صعوبات اجتماعية أو اقتصادية، يعكس قدرة المجتمع المغربي على استيعاب الاختلاف الثقافي والعرقي في إطار إنساني مشترك، بعيدًا عن النزعات الإقصائية التي تشهدها مناطق أخرى من العالم.
إن وصف المغرب بـ”مغرب الشعوب الإفريقية” ليس توصيفًا عاطفيًا بقدر ما هو قراءة واقعية لتحول هادئ في هوية البلد. فالمغرب، الذي ظل طويلًا يُقدَّم باعتباره جسرًا بين إفريقيا وأوروبا، يبدو اليوم وكأنه يعيد تموقعه داخل عمقه الإفريقي، ليس فقط سياسيًا أو اقتصاديًا، بل إنسانيًا واجتماعيًا. حضور المهاجرين الأفارقة لم يعد مجرد ظاهرة ديموغرافية، بل أصبح عنصرًا من عناصر التنوع الثقافي الذي يغني المشهد الحضري المغربي.
غير أن هذا الواقع الإيجابي لا ينبغي أن يحجب التحديات القائمة. فالهشاشة الاقتصادية، وصعوبة الولوج إلى بعض الخدمات، كلها قضايا تستدعي سياسات إدماج أكثر شمولية واستدامة. كما أن ترسيخ ثقافة التعايش يتطلب مجهودًا متواصلًا من الإعلام، والمدرسة، والمجتمع المدني، حتى لا يتحول الاختلاف إلى مصدر توتر مستقبلي.
في المحصلة، يقدم المغرب اليوم نموذجًا إفريقيًا مميزًا في إدارة التعدد البشري داخل فضائه الوطني. نموذج لا يدّعي الكمال، لكنه يؤكد أن الجغرافيا حين تقترن بالإنسانية، يمكن أن تتحول إلى جسر لا إلى جدار. وهكذا، يصبح المغرب فعلًا بلدًا كريمًا مضيافًا، لا يحتضن الأفراد فقط، بل يفتح المجال أمام ولادة معنى أوسع للانتماء: انتماء إفريقي مشترك، يتسع للجميع.
وفي الختام، لا يمكن فصل كل هذه المجهودات والتحولات الإيجابية عن السياسة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي ما فتئ يوصي بالعناية الخاصة بالأفارقة جنوب الصحراء، إيمانًا منه بعمق المغرب الإفريقي وبأهمية البعد الإنساني في بناء علاقات قائمة على التضامن والتعاون جنوب–جنوب، وهي رؤية ملكية جعلت من المغرب فضاءً للكرامة الإنسانية وجسرًا حقيقيًا للتقارب بين شعوب القارة الإفريقية.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً