أزمة القيم قبل أزمة الشهادات… من المسؤول؟

IMG 0098 كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24

عمر بنعليات /باريس

في الآونة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي خبرا صادما يتعلق بتفكيك شبكة إجرامية مختصة في بيع الشهادات الجامعية بجامعة ابن زهر، تورط فيها أستاذ جامعي ومسؤول حزبي. ورغم فداحة الحدث، إلا أن ما يثير الاستغراب حقا، ليس الجريمة في حد ذاتها ولا الوضعية الاعتبارية للمتهمين، وإنما ذلك التعايش المجتمعي المريب مع مظاهر النفاق الاجتماعي، التي أضحت أكثر خطورة من بيع الشهادات نفسها، لأن الأمر لم يعد مجرد خروقات معزولة، بل أصبح أزمة قيم وأخلاق وتربية، أزمة منظومة مجتمعية برمتها.

في وقتٍ يتسابق فيه البعض لإدانة هذه الظواهر والتنديد بها، ينسى كثيرون أن المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه أصبح شريكا مباشرا أو غير مباشر في هذه الأفعال المشينة، فحين يتنصل الأبوان من مسؤولية تربية الأبناء على قيم النزاهة والجد والاجتهاد، وحين يتغاضى الجميع عن مظاهر الغش والتحايل في المدارس والجامعات، وحين تُقدّم الرشاوى لتسهيل التسجيل في الماستر والدكتوراه، يكون من العبث الحديث عن قيم أو عدالة اجتماعية.

بل إن الأخطر من ذلك، أن المواطن نفسه يتحول إلى فاعل أساسي في إنتاج الفساد، عندما يبيع صوته في الانتخابات بثمن بخس ليمنح المفسدين وتجار المخدرات مفاتيح المؤسسات التشريعية، فيساهم بذلك في تشريع قوانين على المقاس، وتحصين الجريمة، وتأبيد الرداءة.

أما حين يغادر أحدهم بلدته متجهًا إلى أكادير أو الرباط، محمّلا بما جدّت به أرضه من زيت الزيتون أو عسل الدغموس أو زيت الأركان ليقدّمه رشوةً خفية لتسجيله في سلك علمي لا يمتلك مقوماته، فلا يحق له بعد ذلك أن يتباكى على انهيار المنظومة الأخلاقية أو يعود دات يوم ليحاضر أمامانا في الأخلاق والنزاهة العلمية، إذ أن الأستاذ الجامعي الفاسد لم يعتلِ عرش الجريمة وحده، بل وجد بيئة متواطئة، وعقولا مريضة تبارك عرضه، وتسعى إليه.

وهكذا يتكرّس توافق خفي بين العرض والطلب. فالفساد لا يعيش بمعزل عن حاضن اجتماعي يوفر له أسباب البقاء. ومن العبث إذن، أن نوجه سهام النقد للمسؤول والقاضي والبرلماني دون أن نحاسب أنفسنا أولًا، فنحن شركاء في هذا المشهد القاتم والمريب.

فلا جدوى من تكرار الأسطوانة المشروخة عن الإصلاح ما دام المفسد هو من يمنح الدروس في النزاهة. ولا أمل في التغيير ما لم يُعَد الاعتبار لمنظومة التربية والتعليم، فهي حجر الأساس في بناء المجتمعات. ولعل أبلغ درس يمكن أن نستلهمه من التاريخ، ما رواه ونستون تشرشل حين سأل مستشاره عن حال لندن أثناء الحرب العالمية الثانية، فأجابه: “الدمار شامل، لكن القضاء والتعليم ما يزالان صامدين”، فرد عليه: “إذن نحن بخير”.

فحين يتحوّل التعليم إلى سوق لبيع الشهادات، وحين يصبح القضاء مرتهنا للمكالمات الهاتفية ويدبر بمنطق وقاعدة “من تحتها” فاعلم أننا أمام خراب وطني مستتر ومصير مجهول.

فلنبدأ اولا بإصلاح ذواتنا وأسرنا قبل أن نرفع أصابع الاتهام إلى الاستاد الجامعي والقاضي والمسؤول، لأن المجتمعات لا تنهض إلا على سواعد رجال ونساء يؤمنون بأن القيم ليست ترفًا أخلاقيا، بل ضرورة وجودية وحتمية لنهضة وتقدم اي مجتمع.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً