وداعان في جنازة واحدة: وفاة صديق أثناء إنزال نعش رفيقه في جنوب إفريقيا

وداعان في جنازة واحدة: وفاة صديق أثناء إنزال نعش رفيقه في جنوب إفريقيا خارج الحدود

في قريةٍ هادئة تُدعى غا-كيبي بمقاطعة ليمبوبو، كان المشيّعون يتهيأون لوداع شاب رحل باكرًا. التفّت الأيدي حول حبال النعش، وهبطت الخُطى على أطراف الحفرة بخفّةٍ يفرضها الموقف. لوهلةٍ قصيرة بدا كل شيء يسير وفق طقوسٍ يعرفها الجميع: دعاءٌ خافت، ودموعٌ مكبوتة، ونظراتٌ متساندة. ثم حدث ما لم يتخيله أحد.

وأثناء إنزال النعش إلى القبر، تعثّر أحد الرجال الذين يساعدون على التثبيت. لم يكن مجرد مُشيّع عابر؛ كان أعزَّ أصدقاء الراحل. تحت ثقل الخشب والمعدن واللحظة، هوى جسده، وأسدل على المشهد طبقةً إضافية من الصمت المذهول. تحوّل وداعٌ واحد إلى وداعين، ووجدت القرية نفسها أمام خسارةٍ مزدوجة لم تستعدَّ لها القلوب.

وقفت أمُّ الفقيد على مقربة، تبحث بعينيها عمّا يمكن أن يخفّف وقع الحقيقة. بصوتٍ مبحوح قالت لمن حولها: “كانا يقولان دائمًا إنهما سيرحلان معًا.” عبارةٌ بدت، في تلك الدقيقة الثقيلة، مثل مفتاحٍ يشرح عمق الصداقة التي جمعتهما، ويزيد في الوقت نفسه من ألم المفارقة.

روى بعض من حضروا أن الفاجعة انكشفت على مراحل: همهمةٌ غير مفهومة، اندفاعٌ غريزي نحو الحفرة، نداءاتٌ متقطعة تطلب الإسعاف، ثم ذلك الوجوم الذي يسبق الاعتراف بأن الحدث أكبر من القدرة على تفسيره. وفي وقتٍ لاحق، أكدت الشرطة أن الوفاة “حادثٌ مأساوي” لا شبهة فيه، لتُغلِق باب التأويل وتترك للقرية حقّ الحزن بلا أسئلة إضافية.

في البيوت القريبة من المقبرة، ظلّ الناس حتى المساء يتبادلون التفاصيل نفسها، لعلّ تكرارها يخفف من وطأتها: صديقان كبيران معًا منذ الطفولة، يقف أحدهما لمساندة الآخَر في لحظة الوداع، فيسقط هو الآخر ضحية اللحظة ذاتها. بين الرواية والرواية، صمتٌ يمرُّ كغيمةٍ ثقيلة، ونظراتٌ طويلة إلى الأرض وكأنها قد تخفي تفسيرًا ما.

لا إعلانَ بعدُ عن ترتيبات تشييع الصديق الثاني. فالناس، كما تقول وجوههم، ما يزالون تحت الصدمة. من الصعب أن تُدار مراسم جنازة جديدة قبل أن تنتهي الجمل العالقة من الجنازة الأولى. وفي انتظار أن تلتئم العائلة وتستجمع قوتها، يبقى المكان مُعلّقًا على حزنٍ لم يألفه: قبرٌ فُتح لواحد، فابتلع في طريقه قلبًا كان يهمّ بمؤازرته.

في هذا الجزء البعيد من العالم، حيث تتكرّر الجنائز مثل فصول الطبيعة، تذكّر الحادثة بأن الموت، رغم اعتياده، يدهشنا كل مرة بطريقةٍ مختلفة. وهذه المرّة، جاء الدرس قاسيًا ومضيئًا معًا: الصداقة قد ترافقنا حتى الحافة، وأحيانًا، تعبر بنا الحافة ذاتها.