بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
لم تعد جهة كلميم واد نون مجرد فضاء جغرافي يربط “المركز” بـ“الجنوب”، بل أصبحت اليوم أحد الأعمدة الاستراتيجية في هندسة مستقبل الصحراء المغربية، وعنصرًا جوهريًا في أي تصور متكامل لتفعيل مشروع الحكم الذاتي الذي تقترحه المملكة كحل نهائي وواقعي للنزاع المفتعل.
فالمنطقة، بتاريخها العميق وامتدادها الأنثروبولوجي والاجتماعي، تشكل مكونًا أصيلاً من الهوية الصحراوية، ومن غير الممكن تصور مشروع الحكم الذاتي باعتباره مشروعًا وطنيًا وحدويًا دون إدماجها الكامل ضمن هذا المسار.
- ودانون… عمق صنهاجي وتاريخ صحراوي أصيل
يعتبر واد نون عبر القرون قلب الغرب الصحراوي ومركزًا للتبادل التجاري والحركة القبلية والتنظيمات الزاوية. وقد ظل مجالاً صنهاجيًا أصيلاً ارتبط بالقبائل اللمطية والصنهاجية، ما جعله جزءًا رئيسيًا من الامتداد الثقافي للفضاء الحساني والبيظاني.
وفي هذا المجال، تفاعلت المكونات الأمازيغية في الأطلس الصغير مع القبائل الصحراوية في نسيج اجتماعي فريد يميز المنطقة، ويعطيها مكانة خاصة في الهوية الجنوبية للمغرب.
كما شكلت كلميم تاريخيًا بوابة القوافل ورابطًا اقتصاديًا بين سجلماسة وولاتة وتنبكتو، وهو إرث يعكس قدرة المنطقة منذ القدم على ممارسة أشكال من التدبير المحلي والذاتية المجتمعية.
- وادنون في صلب النقاش الوطني…خطابات فردية خارج السياق
خلال الأشهر الأخيرة، ظهرت بعض التصريحات الفردية التي حاولت التشكيك في ارتباط وادنون بمسار الحكم الذاتي أو التقليل من دورها ضمن المشروع الوطني. وقد أثارت هذه الانزلاقات ردود فعل قوية داخل الأوساط السياسية والمدنية، لأنها لا تعكس الموقف المؤسساتي للدولة ولا توجهاتها الواضحة في ما يتعلق بوحدة الجهات الجنوبية.
وأجمع المتابعون على أن هذه الطروحات القائمة على منظور تجزيئي أو قبلي تتعارض مع الخطاب الوطني الجامع، ومع فلسفة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي شمل الجهات الثلاث كاملة، باعتبارها وحدة ترابية متكاملة غير قابلة للاختزال.
كما اعتُبر هذا النوع من الخطاب انحرافًا يمكن أن تستغله أطراف مناوئة للوحدة الترابية أو تُوظّفه في تأويلات مغلوطة حول الانسجام الداخلي للجنوب المغربي.
- أبناء وادنون… منطلق أساسي في تاريخ النزاع المفتعل
من الحقائق التاريخية الجديرة بالتذكير أن عددًا من العناصر التي ساهمت في تأسيس ما يسمى بـ”الجبهة” في بدايات السبعينيات انطلقت من وادنون، قبل أن يتبين في ما بعد أن المشروع الذي جرى الترويج له حينها كان خارجًا عن السياق الوطني، واستُخدمت فيه فئات من أبناء المنطقة قبل أن يعود الكثيرون منهم لاحقًا إلى حضن الوطن.
هذه الحقيقة التاريخية تؤكد أن وادنون كان دائمًا طرفًا حاضرًا في كل محطات الصراع، بحكم موقعه الجغرافي والإنساني داخل النسيج الصحراوي المغربي، وأن أي محاولة لإبعاده عن الحل النهائي تتجاهل عمق دوره في مسار القضية منذ بداياتها.
- لماذا يشكل وادي نون حجر زاوية في مشروع الحكم الذاتي؟
- تركيبة اجتماعية ملائمة للحكم الجهوي المتقدم
منطقة تجمع بين القبائل الصحراوية والمجموعات الأمازيغية والسكان الحضريين، بتقاليد عريقة في التعايش وتنظيم الشأن المحلي، ما يجعلها مؤهلة للمساهمة في نموذج جهوية متقدمة ناجحة.
- موقع استراتيجي يربط المغرب بعمقه الإفريقي
واد نون هو البوابة الشمالية للصحراء عبر الطريق السريع تيزنيت العيون، ومحور آسا السمارة، إضافة إلى ميناء سيدي إفني، ما يجعله نقطة عبور مركزية في كل المشاريع التنموية الموجهة للجنوب.
- مؤهلات اقتصادية وبيئية متنوعة
من الواحات التاريخية إلى المراعي ومشاريع الطاقات المتجددة، تعد الجهة إحدى الدعامات الأساسية للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.
- دور تاريخي في الدفاع عن الوحدة الترابية
كان أبناء وادنون في مقدمة الصفوف خلال مختلف المحطات الوطنية، وهو ما يجعل التشكيك في دورهم أو في موقعهم داخل مشروع الحكم الذاتي طرحًا غير منصف ومناقضًا للواقع.
- الحكم الذاتي… مشروع شامل لا يقبل التجزيء
الحكم الذاتي ليس مبادرة جهوية أو مطلبًا فئويًا، بل هو ورش وطني كبير يشمل الأقاليم الجنوبية في كليتها، ولا يحق لأي طرف تحديد من يدخل أو يُستثنى من هذا المشروع.
وتؤكد البرامج الملكية التنموية شمول الجهات الثلاث العيون الساقية الحمراء، الداخلة وادي الذهب، وكلميم وادنون في رؤية واحدة محكمة تستند إلى وحدة التراب ووحدة المستقبل.
خلاصة: وادي نون… قلب الجنوب وروح الحل السياسي
إن جهة كلميم وادنون ليست هامشًا للجنوب المغربي ولا مجالاً تابعًا له، بل هي قلبه التاريخي والثقافي والاقتصادي.
وقد أثبتت الوقائع أن أي تصور للحكم الذاتي دون وادنون هو تصور ناقص ومنافٍ لطبيعة الصحراء المغربية.
فالمنطقة جزء لا يتجزأ من النسيج الصحراوي، ومكون أساسي لإنجاح الجهوية المتقدمة وتعزيز النموذج التنموي، وشرط ضروري لاستكمال الحل السياسي في إطار الوحدة الوطنية.


التعاليق (0)