هل تقترب تجربة التدبير المفوض للمطاعم الداخلية من نهايتها في سوس كما بدأت فيه؟

أكادير والجهات

عبدالله بن عيسى

ما تزال واقعة التسمم الغذائي المفترض بداخلية ثانوية ابن سليمان الرسموكي التأهيلية تثير الكثير من الجدل، في ظل تضارب المعطيات وعدم صدور أي بلاغ رسمي من الجهات الوصية حول حقيقة ما جرى، وفي انتظار نتائج التحقيقات التي باشرتها الجهات المختصة.

 هذه الواقعة أعادت إلى الواجهة النقاش القديم الجديد حول واقع المطاعم الداخلية وجودة الإطعام المدرسي، خصوصا في المؤسسات التي تعتمد التدبير المفوض لخدمات المطعمة.

ورغم أن الصور المتداولة حول الوجبات، والتصريحات المتباينة وسط التلاميذ والأطر، لم تحسم صحتها بعد، إلا أن حجم التخوفات التي رافقت الحادث يطرح بإلحاح السؤال المركزي، هل كما بدأت تجربة التدبير المفوض للمطاعم الداخلية في سوس ستنتهي بسوس؟ وهل نحن أمام إعلان مبكر لفشل هذا النموذج؟

فقد اعتمدت وزارة التربية الوطنية التعليم الأولي والرياضة، ضمن تنزيل القانون الإطار 17.51 ومشاريع الدعم الاجتماعي، نموذج التدبير المفوض لخدمات الإطعام بالداخليات والمطاعم المدرسية، وبدأت التجربة من جهة سوس ماسة بشكل تجريبي قبل تعميمها وطنيا. وخصصت الوزارة لهذه العملية ميزانيات ضخمة تجاوزت مليار و700 مليون درهم في مواسم متتالية.

الفلسفة التي رافقت هذا التحول كانت مبنية على هدفين أساسيين، رفع جودة الوجبات وتحسين شروط السلامة الغذائية، وتخفيف العبء التدبيري عن الأطر التربوية والإدارية.

لكن بعد سنوات من العمل بهذا النموذج، تكشف معطيات رسمية وتقارير لجن إقليمية وأصوات برلمانية وجود اختلالات عميقة، بعضها يمس جوهر العملية في الجودة، التنوع، وسلامة التلاميذ.

وسبق في السنوات الأخيرة أن وثقت الأكاديمية الجهوية بسوس ماسة، ضمن تقييماتها المتتالية، جملة من الاختلالات، منها هشاشة وتجهيزات متقادمة في أغلب الداخليات، وخصاص في الموارد البشرية المشرفة على التتبع اليومي للوجبات، وعدم احترام بعض الشركات لبنود دفاتر التحملات، وغرامات مالية ضعيفة لا تؤثر في سلوك الشركات نائلة الصفقات، وصعوبات في توفير الوجبات المتفق عليها بسبب ارتفاع الأسعار.

وتشير اللجان الإقليمية إلى أن بعض المؤسسات تتوفر على مطاعم داخلية غير ملائمة لاستقبال شركات تدبير مطعمة تعتمد معدات وتجهيزات حديثة، مما يخلق هوة بين النصوص والواقع.

وفي سؤال كتابي، سجل النائب محمد عواد (فريق التقدم والاشتراكية) أن العديد من الداخليات لا تحترم الشروط المنصوص عليها، وأن الشركات تقوم بتقليص وجبات اللحم من مرتين أسبوعيا إلى مرة واحدة فقط، مبررة ذلك بارتفاع الأسعار.

من جهتها، أثارت النائبة فاطمة التامني (فيدرالية اليسار) ما وصفته بـ”الخروقات الخطيرة”، من تأخر انطلاق الإطعام المدرسي إلى اشتغال المقاولين بدون أوامر خدمة، وغياب دفاتر التحملات لدى مديري المؤسسات التعليمية، وهزالة الوجبات التي أدت إلى احتجاجات تلاميذية.

هذه الملاحظات البرلمانية تكشف أن الخلل لم يعد حالة استثنائية، بل أصبح نمطا يتكرر عبر عدة مديريات.

ورغم وجود دلائل مسطرية صارمة وضعتها الوزارة، تلزم الشركات باحترام البرنامج الغذائي الأسبوعي، وضمان نظافة المستخدمين والمطبخ، وتوثيق الوجبات يوميا بالصور، والاحتفاظ بعينات الوجبات في المجمد، وإعداد تقارير يومية مؤشر عليها من الإدارة..إلا أن عددا من المؤسسات لا تلتزم بهذه الإجراءات، كما أن عمليات التتبع غالبا ما تكون ظرفية وليست منتظمة.

وبالعودة إلى واقعة ثانوية الرسموكي، ورغم غياب أي بلاغ الرسمي، فقد وجدت نفسها بسرعة داخل دائرة التأويلات، خصوصا وأنها حدثت داخل مؤسسة تعتمد التدبير المفوض..هذا الربط بين الواقعة والنظام الجديد للإطعام لم يأت من فراغ، بل من تراكم مؤشرات مقلقة، جعلت السؤال مشروعا، حول إن كان  هذا التدبير المفوض فعلا قفزة نوعية، أم أنه تحول إلى عبء جديد يكلف الدولة ميزانيات ضخمة بدون مردود واضح؟.

الاعتراف الرسمي بوجود أعطاب في التجربة بدأ يظهر تدريجيا، سواء في التقارير أو عبر تدخلات النواب، بل حتى في تصريحات وزارية نفسها، التي أقرت بصعوبات “تدبيرية، لوجيستيكية واقتصادية” تؤثر على احترام الشركات لالتزاماتها.

اليوم، وبعد واقعة داخلية الرسموكي، أصبحت الأسئلة أكثر إلحاحا..فهل يستمر النموذج كما هو؟ وهل يتم مراجعته بنيويا؟ أم يتم التراجع عنه في بعض الجهات، بدءا من سوس، حيث بدأ أصلا كتجربة؟

إن حجم الميزانية المرصودة، وعدد المستفيدين الذي يفوق 288 ألف تلميذ، والرهان على الداخليات في محاربة الهدر المدرسي، كلها معطيات تجعل جودة الإطعام المدرسي ليست مسألة تقنية، بل قضية اجتماعية وسياسية وأمن غذائي.

ولعل حادثة الرسموكي، سواء ثبت أنها تسمم حقيقي أو مجرد وعكة غذائية جماعية، تفتح الباب واسعا لمساءلة جدوى هذا النموذج، والبحث في ما إذا كان فشل التجربة في سوس مؤشرا على خلل في تصور النموذج الجديد، أم في التنفيذ، أم في الرقابة.

وفي انتظار نتائج التحقيقات، يبقى السؤال مفتوحا، هل كما بدأت تجربة التدبير المفوض للمطاعم الداخلية في سوس،  ستنتهي بسوس؟.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً