عندما كان حزب العدالة والتنمية يقود الحكومة، كان محور الممارسة السياسية في البلاد. فلم يكن ممكنا أن تجد منبرا إعلاميا إلكترونيا ولا جريدة ورقية لا يتطريق للحزب ووزرائه أو نوابه أو أعضائه بشكل عام. كنا يوميا نجد في المنابر الإعلامية بمختلف أصنافها، مقالات تتعلق بحزب العدالة والتنمية، مساندة أو منتقدة، وكان الأعلام المغربي يجد في الحزب مادة اعلامية تساعده على كسب المزيد من القراء باهتمامه بمواد إعلامية يهتم بها الرأي العام. والكل لازال يتذكر اهتمام المغاربة الكبير بتدخلات الأمين العام للحزب السيد بنكيران في الجلسات البرلمانية التي كانت تعرف إقبالا غير مسبوق في تعامل المواطن المغربي مع المؤسسة التشريعية.
لكن بعد انتخابات 8 شتنبر وما أفرزته من نتائج، تحدثت الأحزاب الفائزة عن كون حزب العدالة والتنمية انتهى دوره وأصبح صفحة في التاريخ السياسي للمغرب تم طيها. ساد الاعتقاد أن حزب البيجيدي سيتراجع إلى الوراء لتحل مكانه أحزاب أخرى تعوض ماكينة الحزب التواصلية ويستأثر الحزب الفائز باهتمام الرأي العام على غرار ما فعله مع حزب البيجيدي.
بلغة الأرقام، حزب العدالة والتنمية لا يتوفر حتى على فريق انتخابي، وهو ممثل في البرلمان بمجموعة نيابية من 13 نائب ونائبة، ولم يعد يترأس الجماعات المحلية سواء في المدن الكبرى أو الصغرى،. على الورق، حزب بهذه الأرقام لا يمكن منطقيا أن يكون له تواجد سياسي مؤثر في الساحة السياسية، واهتمام الرأي العام به ينبغي أن يكون باهتا إن لم يكن منعدما.
لكننا على أرض الواقع، نجد أن الحزب يحظى باهتمام بالغ في المنابر الإعلامية يفوق بكثير الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، ويفوق الحزب الذي يترأس الحكومة. وحتى المنابر الإعلامية المناوئة للحزب، وتلك التي شنت عليه حربا غير مسبوقة خلال الانتخابات الأخيرة، لم تستطع التحرر من متابعة أخبار الحزب والرد عليه في كل صغيرة أو كبيرة تتعلق بمواقفه وآرائه السياسية. وكأن لسان حال تلك المنابر لا يثق في النتائج الضعيفة التي حصل عليها الحزب جعلت منه صفحة تم طيها كما تردد تلك المنابر الإعلامية نفسها، ويعتبر أن الحزب لازال مؤثرا ولازالت قدرته التواصلية قادرة على إسماع صوت الحزب أكثر من الأحزاب الفائزة في الانتخابات. كما نلاحظ أن السيد رئيس الحكومة حريص بشكل كبير على الرد على كل ما يقوم به الحزب، رغم ما يكلفه ذلك من مواجهة مباشرة مع المعارضة. وما كان للسيد رئيس الحكومة الانشغال بحزب العدالة والتتنمية لو لم يكن يعرف جيدا أن حزب البيجيدي لازال صوته مسموعا، ومواقفه مؤثرة ولها صدى في الرأي العام، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة لا تعكس القوة السياسية والتواصلية التي يتمتع بها الحزب.
ومع عودة الأستاذ بنكيران لترأس الأمانة العامة للحزب، جعلت حزب العدالة والتنمية يحظى باهتمام كبير في المنابر الإعلامية ولدى الرأي العام المغربي. وشكلت خرجات الأمين العام الجديد، قوة اقتراحية شكلت المحور الأساسي الذي تدور في فلكه الممارسة السياسية في بلدنا. فحتى أحزاب الأغلبية لم تعد تستطيع ممارسة السياسة بعيدا عن الاهتمام بحزب العدالة والتنمية وبخرجات أمينه العام. وحتى المنابر الإعلامية المعروفة بعدائها للحزب وانتقاداتها المبالغ فيها لنخبه السياسية، لم تستطع الاكتفاء بالترويج لأطروحات الأحزاب التي تدور في فلكها، ونجدها تهتم بحزب بنكيران وتخصص له حيزا أكبر من باقي الأحزاب بما فيها تلك المشكلة للأغلبية الحكومية.
واقع المنابر الإعلامية، واهتمام الحزب الذي يترأس الحكومة بكل تحركات حزب البيجيدي، يجعلنا نطرح التسائل حول حقيقة موقع الحزب في الساحة السياسية وطبيعة النتائج التي تم الإعلان عنها في 8 شتنبر.
سعيد الغماز