قصة هروب «ناصر الجِنّ».. ما الذي أكدته الصحافة الإسبانية وما الذي لم يُحسم بعد؟

خارج الحدود

تتوالى منذ أيامٍ تقارير صحفيةٌ إسبانية وغربية عن فرار الجنرال الجزائري عبد القادر حدّاد، المعروف إعلاميًا بـ«ناصر الجِنّ» والمدير السابق لجهاز الأمن الداخلي، من إقامته المقيّدة داخل الجزائر نحو إسبانيا بحرًا.

وقدّمت صحيفة El Confidencial روايةً تفصيلية تُرجّح أنه «أفلت من رقابة مرافقيه ونزل إلى الساحل الإسباني مثل مهاجرٍ غير نظامي»، واضعةً الحدث في سياق صراع أجنحة داخل هرم المؤسسة العسكرية في الجزائر، من دون إيراد وثيقةٍ رسمية تؤكد رصده أو توقيفه داخل التراب الإسباني.

وفي مقاربةٍ مختلفة تميل إلى التحليل العملياتي الحذر، تناول موقع The Objective تحركاتٍ جوية على خط الساحل المتوسطي بتراتبيةٍ زمنية متقاربة مع تاريخ الهروب المفترض، معتبراً أنها «تدعم فرضية الوصول» لكنها لا ترقى إلى تأكيدٍ حكوميٍ صريح، وهو ما يفسر نبرة «الاشتراط» والاحتراز التي تسود جزءًا واسعًا من التغطية في مدريد.

وفي الصحافة الناطقة بالإسبانية، أشارت منصاتٌ أخرى، منها La Gaceta، إلى إفادات معارضين جزائريين (صحافيين ونشطاء) تفيد بأن الهروب تمّ على متن قاربٍ سريع أو عبر قوارب الهجرة غير النظامية إلى جزر البليار أو كوستا بلانكا، مع تداول أسماءٍ لضباط يُزعم أنهم سهّلوا العملية؛ غير أن هذه المواد استخدمت صيغًا شرطية من قبيل habría escapado وربطت أصل المعلومة بالمصادر المعارضة لا ببياناتٍ رسمية.

وفي المقابل، ذهبت منصاتٌ مغربية باللغة الإسبانية، مثل النسخة الإسبانية من «طنجة7»، إلى روايةٍ أكثر جزمًا تحدد الوجهة والموعد وتستند إلى ما قيل إنه «تأكيد رسمي محلي» في أليكانتي، إلا أن غياب بيانٍ مركزي من وزارة الداخلية الإسبانية أو «الحرس المدني» يجعل هذه النقاط، حتى الآن، في خانة المعطيات غير المُثبَتة على المستوى الحكومي الوطني.

على الضفة الفرنسية، ركّزت Le Monde على الخلفية الجزائرية للملف أكثر من تتبّع مسار الوصول، فوثّقت مسار اعتقال حدّاد ونقله بين سجونٍ عسكرية قبل وضعه تحت إقامةٍ مقيّدة ثم اختفائه، مشيرةً إلى حالة استنفارٍ أمني واسعة في العاصمة الجزائرية عقب تسرب خبر الفرار، وإلى أن تداعيات الحادثة تُقاس بكمّ الأسرار التي يُعتقد أن الرجل يحملها عن البنية الأمنية والسياسية الجزائرية، أكثر مما تُقاس بمشهد «الإنزال» ذاته.

خلاصة المشهد التحريري حتى ساعة كتابة هذه السطور أنّ الثابت هو واقعة الفرار من قبضة السلطات الجزائرية خلال شتنبر 2025، مع سرديةٍ متناسقة، لكن غير محكومةٍ ببيانٍ إسباني رسمي، عن مسارٍ بحري محتمل نحو الساحل الإيبيري.

الراجح بقوة، وفق نخبةٍ من المنابر في مدريد، أنّ «ناصر الجِنّ» بلغ فعلًا المياه الإسبانية، غير أنّ وضعه القانوني داخل البلاد (طلب لجوء، إجراءات أمن دولة، أو صفةٌ مؤقتة أخرى) لم يُحسَم علنًا. وبين فرضية «تسويةٍ استخباراتيةٍ صامتة» واحتمال خروج تفاصيل رسمية إلى العلن، يبقى الملف مفتوحًا على تداعياتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ داخل الجزائر وخارجها، في وقتٍ يتواصل فيه الترقب في مدريد والرباط وباريس لأي إشارةٍ حكومية تُسدل الستار على أكثر أسئلة القضية حساسية: أين يوجد الجنرال الآن، وتحت أيّ نظامٍ قانوني؟

التعاليق (0)

اترك تعليقاً