نتائج امتحانات الباكالوريا: هل المعدلات المرتفعة تعكس التميز الاكاديمي؟ وهل تستقيم بيداغوجيا؟

badira jpg كُتّاب وآراء

agadir24 – أكادير24

ذ. محمد بادرة

1- النجاح في الباكالوريا ..نجاح اجتماعي اكثر منه دراسي !!

حظيت شهادة الباكالوريا ولا تزال تحظى بمكانة متميزة من الناحية الاجتماعية، وهي لا تعكس فقط النجاح في المسار الدراسي للتلميذ كمفتاح لولوج عالم الدراسات الجامعية والدراسات العليا وانما هي تعكس ايضا نجاح وتألق الاسرة بما تحمله من قيمة اجتماعية وتعتبر من الناحية الاقتصادية مطلبا ضروريا لأنها صلة الوصل بين حاجيات العمل والقوى البشرية المؤهلة لسوق العمل، وعليه فشهادة الباكالوريا هي مصفاة للتموقع في سوق العمل واداة عالمية يقاس من خلالها اداء المنظومة التربوية او للقيم التي تتصف بها هذه الشهادة من قيمة تربوية واجتماعية واقتصادية اكتسبتها من خلال قوانين وانظمة ومؤسسات المجتمع وهذا ما ادى الى تزايد اهتمام الباحثين والخبراء والمنظمات الدولية بهذا المعيار (الشهادة) مما يرفع من رهانات المترشح لامتحانات الباكالوريا للحصول على هذه الشهادة.

ولعل امتحانات الباكالوريا في نظامنا التربوي هو قياس وتقييم للمعارف والمكتسبات والانشطة التعليمية وطرق ومناهج ووسائل التعليم وقدرات وشخصية المدرس والمتعلم وصولا الى تقويم اداء المترشحين وتحديد نجاح او فشل المترشح.

2- هل تعكس المعدلات المرتفعة حالة المنظومة التربوية في بلدنا؟

ما يثير الانتباه في السنوات الاخيرة هو حصول الناجحين في امتحانات الباكالوريا على معدلات قياسية غير معتادة في نظامنا التعليمي منذ عقود عديدة ماضية، ويتساءل المهتم بالشأن التربوي وحتى غير المهتم بالظاهرة: هل تستقيم هذه المعدلات القياسية بيداغوجيا بناء على نظام الامتحانات المدرسية المؤطرة مرجعيا؟ وهل تخضع امتحانات الباكالوريا لضبط مساطر الاجراء ومعايير التصحيح الدقيقة لأداء المترشحين؟ وكيف يمكن للتلميذ(ة) ان يحصل على معدلات كاملة في المواد العلمية والادبية والاجتماعية وهل مقبول ان يحصل التلميذ(ة) على نقطة 20/20 في مادة الفلسفة او في مادة العلوم الطبيعية او مادة الادب..؟

المؤيدون للمعدلات المرتفعة وللعلامة الكاملة للنقطة (20/20) يقدمون تبريرات بان الامتحانات ليست اختبارا بان نمكن التلميذ(ة) ان يكون فيلسوفا ام لا او اديبا ام لا او باحثا علميا بل ان مهمة الاستاذ هو تمكين التلميذ جملة من المهارات والمعارف لاختباره ويتم تقييمه على اساس مدى اكتسابه لها من عدمه وحجتهم تفيد انه مادام التلميذ التزم بجميع ما درسه فما المانع من حصوله على العلامة الكاملة للنقطة !!! ولذلك فالعلامة 20/20 تستقيم بيداغوجيا وتعد عادية لأنها تخضع لمقاييس واعتبارات موضوعية كما هناك مقاييس ومعايير موضوعية محددة بالعلامات وبجدول النقط يتم احترامها اثناء التصحيح.

في حين ان فئة ثانية ترى ان هذه التغييرات التي حصلت في امتحانات الباكالوريا وفي المدرسة العمومية والخصوصية عموما مقارنة مع الفترات السابقة هي عملية غير سليمة بيداغوجيا بل ان ظاهرة تنامي المعدلات “الفلكية” اصبحت غريبة من الناحية التربوية في ظل هيمنة خطاب الازمة التعليمية افقيا وعموديا ومشكلة اداء المنظومة التربوية وفشل المقاربات البيداغوجية.

ان حصول التلاميذ المتفوقين على معدلات وعلامات كاملة والتي قد تعتبر “غريبة جدا” انما تدل على مؤشرات باعتبار ان هذه الارقام قد تهم مؤسسات تعليمية معينة بذاتها لها “سجل تاريخي تربوي” حافل بالنتائج والارقام “القياسية” في نسب النجاح ولها موارد استثنائية تسمح لها بالتفوق على مؤسسات اخرى في مناطق نائية تعاني هشاشة الوضع الاجتماعي والتربوي، كما ان بعضا من المؤسسات التعليمية تعمل على “استقطاب” فئات معينة من التلاميذ من ” نوابغ ونجباء” مؤسسات تعليمية عمومية حتى تحصل على “شرف” تسجيل اسم مؤسستها في قوائم “غينيس الوطنية” للأرقام القياسية للناجحين والمتفوقين بالميزة وبالتالي يجب طرح الموضوع ودراسته بدقة عبر الاشتغال على عمق المؤسسات التربوية انطلاقا من تحسين الاداء البيداغوجي ودراسة السياق الذي تتحرك فيه العملية التعليمية والاهتمام بالرعاية التربوية والاجتماعية والنفسية للتلاميذ لتحسين الجودة وتحقيق مبدا تكافؤ الفرص بين المتعلمين من جهة وبين المؤسسات التعليمية من جهة اخرى.

وهناك فئة ثالثة من الملاحظين لقضايا الشأن التربوي ترى ان ارتفاع معدلات النجاح وميزات التفوق عند المترشحين لامتحانات الباكالوريا يعود في جزء مهم منه الى نقط المراقبة المستمرة التي تشكل 25 في المائة (1/4)من النقط الاجمالية للباكالوريا، ويمكنها ان تكون عاملا ايجابيا في الرفع من نسب النجاح وميزات التفوق ولذا يجب الحفر في عمق انظمة التقويم الذي يضرب في العمق مبدا تكافؤ الفرص بسبب التفاوت في نقط المراقبة المستمرة خصوصا اثناء المقارنة بين معدلاتها في المؤسسات الخصوصية والمؤسسات العمومية ويدعو العديد من هؤلاء الى مناقشة ودراسة حيثيات هذه المراقبة المستمرة في السنة الثانية بكالوريا وتداعيات هذه النقط بطريقة احصائية وعلمية ودقيقة والتفاوت في نقط المراقبة المستمرة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي وما فائدة هذ النقط في تحسين نتائج امتحانات الباكالوريا وتحقيق مبادئ تكافؤ الفرص ؟؟

ان المثير في هذه الظاهرة الرقمية عن الناجحين والمتفوقين ومعدلاتهم القياسية اننا اصبحنا منشغلين بالظاهرة، بالمعدلات والميزات وترتيب الاكاديميات والمديريات الاقليمية والمؤسسات التعليمية مما يخلق نوعا من التمييز واللاعدالة والتي لابد من اعادة النظر فيها لان الامتياز “الرقمي” عن اعداد ونسب المتفوقين او عن المعدلات القياسية يعود الى المؤسسات التعليمية والمديريات والاكاديميات التي لها من الامكانيات التربوية والموارد البشرية والبيداغوجية اكثر مما هو موجود ومتوفر في المؤسسات التعليمية الاخرى !!! وفي الآونة الاخيرة تابعنا حملة للغزو الاعلامي “شنتها” العديد من المؤسسات العمومية والخصوصية بالذات لتقديم متفوقيها بأرقامهم ومعدلاتهم وترتيبهم الوطني والجهوي والاقليمي مما خلق فوارق كبيرة بين المؤسسات التعليمية المنتسبة لهذا المجال الترابي او ذاك او بين هذه الاكاديمية او تلك او بين هذه المؤسسة التعليمية او تلك او بين هذه المؤسسة العمومية وتلك المؤسسة الخصوصية.. او بين هذا المجال الحضري وذاك المجال القروي فهل وكيف يمكن ان تعيد الوزارة النظر في هذه المسالة التي تخلق بونا تربويا شاسعا بين مؤسسة “نموذجية” تحقق نتائج التميز ولها من الامكانيات والموارد البشرية والتربوية والبيداغوجية ما يسمح لها بتحقيق النتائج المرجوة والتفوق على مؤسسات اخرى فقيرة الموارد التربوية ولا تتوفر على بيئة مدرسية ملائمة ولا على ابسط الوسائل التعليمية.

  • انه ان الاوان لتحقيق العدالة الجهوية او المجالية باعتبار ان قائمة الاكاديميات الجهوية التي تحصل على اعلى نسب النجاح وعلى اعلى نسب المتفوقين في الباكالوريا تبقى هي دائما لا “تتنازل” عن ريادتها ونتائجها المرتفعة وترتيبها الاولي وان كان في بعض الاحيان قد تظهر بعض النتائج المتميزة في عدد من الاكاديميات والمديريات الاقليمية النائية  لكن المسالة تبقى استثنائية وغير قارة.
  • يجب توفير كل الامكانيات التربوية والادارية والبيداغوجية لتحسين مردود واداء المؤسسات التعليمية في جميع الجهات والاقاليم وليس تمكين هذه الجهة من الوسائل والموارد التربوية الكافية وحرمان اخرى من نفس الامكانيات والبيئات التربوية، كما انه لابد من تمكين كل مؤسسة تعلمية من الموارد الكافية  لإنجاح مشروعها التربوي  وبالتالي المساهمة في تطوير ادائها ونتائجها تحت تقييم سنوي ومتابعة لهذا الاداء وان يصبح التقييم والدعم المالي مبني على مدى الاستجابة.
  •  لابد من اعداد سياسة وطنية للتقويم الشامل للموارد البشرية والبنيات الوظيفية لتطوير النظام التربوي وتقويم المؤسسات التعليمية بالاعتماد على مقاربات جديدة لتحسين جودة العرض التربوي والرفع من المردودية وتحقيق مبدا تكافؤ الفرص بين المتعلمين والمؤسسات التعليمية والاكاديميات الجهوية.

نؤكد ان النتائج الحالية تحتاج الى تبني مقاربة جديدة تتيح التعليم للجميع في جودته ونوعيته وتضمن النجاعة لنظام التقويم وتعزيز اليات الدعم التربوي خصوصا في المناطق الاقل حظا بهدف دعم التلاميذ الذين يواجهون صعوبات تربوية واجتماعية ونفسية… حتى لا يضرب النظام الحالي للتقويم في العمق مبدا تكافؤ الفرص ودمقرطة المؤسسات التعليمية .

التعاليق (0)

اترك تعليقاً