ناصر بوريطة في نيويورك: المغرب رافعة الربط الإفريقي وشريك في بناء الجسور لا الجدران

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في لحظة فارقة من عمر القارة الإفريقية، حيث تتقاطع التحديات التنموية مع الطموحات الوحدوية، برز المغرب مجددًا كفاعل استراتيجي في مسار الاندماج القاري، وذلك من خلال الكلمة المؤثرة التي ألقاها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، خلال حدث رفيع المستوى نظمه المغرب بشراكة مع وكالات أممية بنيويورك يوم الخميس 25 شتنبر 2025 ، على هامش الدورة ال80 للجمعية العامة للام المتحدة.
المداخلة لم تكن مجرد تأكيد للنيات، بل جاءت محمّلة برؤية متكاملة، تترجم السياسة الإفريقية التي ينتهجها المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، سياسة تمزج بين الواقعية والطموح، وتستند على مشاريع ملموسة من أجل تفعيل الربط كأداة للتحول الاقتصادي والسيادي في إفريقيا.

  • الربط الإفريقي: تشخيص صريح ووعي استراتيجي

في كلمته، لم يُجامل السيد بوريطة الواقع، بل قدّم تشخيصًا دقيقًا لحالة الربط في إفريقيا، حيث كشف عن أرقام صادمة: أكثر من 600 مليون إفريقي بدون كهرباء، أقل من 17% من المبادلات التجارية تتم بين الدول الإفريقية، وسبعة بلدان فقط ترتبط بشبكة سكك حديدية فعالة وعابرة للحدود.
هذه الأرقام ليست فقط مؤشرات على تأخر البنية التحتية، بل تعكس أيضًا حجم التحدي أمام الاتحاد الإفريقي لتحقيق أجندته 2063، وتؤكد ما ذهب إليه الوزير بأن الربط ليس مسألة تقنية فحسب، بل هو “محرك رئيسي” للاندماج، وأداة لبناء السيادة الإفريقية، وتحقيق السلام والتضامن بين شعوب القارة.

  • المغرب.. من مشاريع وطنية إلى خدمة الرؤية القارية

بروح إفريقية صادقة، قدم الوزير المغربي سلسلة من المشاريع الضخمة التي نفذتها المملكة، ليس كأوراش محلية فحسب، بل كبنى تحتية مؤهلة لتكون قاطرة الربط القاري. من ميناء طنجة المتوسط الذي أضحى أول ميناء للحاويات في إفريقيا، إلى مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، ومرورًا بشبكات القطار الفائق السرعة، والربط الرقمي والكهربائي.
كلها مشاريع ( كما أكد الوزير ) لا تنغلق في حدود وطنية، بل تتجه نحو الانفتاح على العمق الإفريقي، وهو ما يتجلى بوضوح في المبادرات الملكية الرامية إلى ربط الدول الإفريقية الساحلية بالمحيط الأطلسي، وكذا مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي يعد ركيزة استراتيجية لتأمين الطاقة وربط الأسواق.

  • دبلوماسية الربط.. من خطاب التقارب إلى فعل الوحدة

من اللافت في خطاب السيد بوريطة أنه تجاوز الطابع الإنشائي الذي يطغى أحيانًا على خطابات القمم الدولية، وركّز على المعادلة البسيطة والواضحة: “لا اندماج دون ربط”. وهي مقولة تختزل الرؤية المغربية للعلاقات الإفريقية، والتي تقوم على دبلوماسية عملية، تترجم بالشراكات، والبنيات التحتية، والتقارب الملموس بين الشعوب والاقتصادات.
ولعل إطلاق “مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية”، الذي يضم حاليًا 23 دولة، يمثل واحدًا من أبرز تجليات هذا التحول في الفكر الدبلوماسي المغربي، من الانغلاق الجغرافي إلى الانفتاح الاستراتيجي، ومن دور تقليدي في القارة إلى موقع مبادر ومؤثر في صياغة مستقبلها.

  • ختامًا: المغرب شريك لا غنى عنه لإفريقيا المستقبل

الحدث الذي شهدته نيويورك لم يكن فقط فرصة للترويج لمبادرات مغربية، بل محطة لتجديد الرؤية الجماعية حول أهمية الربط القاري، وضرورة الانتقال من الشعارات إلى المشاريع. وفي هذا المسار، برهن المغرب، مرة أخرى، أنه شريك موثوق به، وأن استثماراته ليست موجهة فقط نحو التنمية الداخلية، بل نحو بناء إفريقيا موحدة، متصلة، وذات سيادة.
فحين يتحدث المغرب عن الربط، فإنه يتحدث عن سيادة مشتركة، عن قارة تتنفس عبر جسور الكهرباء والقطارات والموانئ والأنابيب، وعن وحدة تتجاوز الحواجز الجغرافية نحو التكامل الاقتصادي والبشري.
إنها رؤية استشرافية، ومقاربة متكاملة، ودور مغربي يتجدد، يؤكد أن الربط القاري ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لمستقبل إفريقيا.