النسخة 22 من كأس العالم كانت لها نكهة متميزة لأنها وقعت في بلد عربي شرق أوسطي لأول مرة في تاريخ نهائيات البطولة العالمية. لكن منجزات المنتخب المغربي أعطت لهذه الدورة طعما خاصا بإنجازات كبيرة وعظيمة حتى أصبح المغرب موضوع كبريات المنابر الإعلامية على الصعيد العالمي بكل لغات المعمور، وأصبح المغرب يتصدر محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.
بطولة كأس العالم، هي أكبر تظاهرة على الصعيد العالمي وأكبر حدث من حيث حجم المتابعين والذي يقاس بالملايير وبلغ في نسخة قطر 4 ملايير مشاهد، إلى جانب كونها تظاهرة تشغل كل بقاع العالم في جميع المستويات سواء الحكومات والسياسيين والرياضيين والفنانين والمثقفين وغيرهم…والظفر بشرف تنظيمها ليس باليسير لأنها تظاهرة ظلت لعقود حكرا على الدول المتقدمة وبعض دول أمريكا اللاتينية التي تحظى بحق التنظيم والفوز بها أيضا، فيما باقي الدول تكتفي بالحضور على أرض البلد المنظم بهدف مشاركة مشرفة، لأن أغلب تلك الدول تغادر المنافسة من دور المجموعات تاركة للبلدان المتقدمة مواصلة المنافسة فيما بينها.
لكن مونديال قطر، كسَّر هذه المعادلة التي ظلت راسخة لعقود، وأثبت لتلك الدول التي تحتكر التنظيم كما تحتكر الفوز أن هناك دول حققت طفرة تنموية وإقلاعا اقتصاديا جعلها قادرة على تنظيم بطولة من حجم بطولة كأس العالم وتحقيق نفس النتائج التي ظلت تحتكرها الدول الأوروبية وبعض بلدان أمريكا اللاتينية على رأسها البرازيل والأرجنتين. لقد استطاعت قطر تنظيم أول بطولة كأس العالم في آسيا والشرق الأوسط، وحققت نجاحا أكبر من باقي النسخ التي نُظمت في بلدان العالم المتقدم كما صرح رئيس الفيفا. واستطاع المغرب كذلك أن يبلغ المربع الذهبي لأول مرة في تاريخ البطولة العالمية وهو المربع الذي ظل حكرا على البلدان الأوروبية وبعض بلدان أمريكا اللاتينية.
هذا الإنجاز سواء بالنسبة لقطر أو المغرب، لم يكن سهلا لأنه يتطلب تكسير الأسوار التي تشرف على إدامتها الدول المتقدمة لكي لا يستطيع باقي العالم تجاوز تلك التحصينات. لكن من الخطأ اعتبار أن هذا الانجاز في نسخة قطر قد بلغ أهدافه، بل ينبغي أن ندرك أننا قد أنهينا الشوط الأول ويجب العمل من أجل شوط ثاني أفضل من الأول إن أردنا التحدث بلغة الرياضة.
الشوط الأول الذي دارت منافساته فوق أرض عربية، جعلنا نقف على حقيقتين: الحقيقة الأولى تتحدد في كون الإنجاز يكون بالاعتماد على الذات وبالعمل الجاد والجهد الدؤوب. والحقيقة الثانية هي أن الدول المتقدمة لن تكون مساعدا في تحقيق النهضة التنموية المنشودة، بل إن مونديال قطر أبرز بشكل جلي أن هذه الدول التي تحتكر التنظيم قامت بكل ما في وسعها من أجل إزاحة قطر عن تنظيم المونديال، وحين فشلت قامت بحملة إعلامية للتشويش على المونديال القطري، وما وقع للمنتخي المغربي في مقابلتي النصف نهائي والترتيب يعكس هذا التوجه.
نعم…إن مونديال قطر هو فقط شوط أول، نجحت فيه قطر ونجح فيه المغرب، لكن هذه النجاحات يجب أن لا تضيع. ولكي لا تضيع يجب علينا الاستعداد بنفس العزيمة والقتالية لخوض شوط الاقلاع الاقتصادي والطفرة التنموية لكي نجعل من مونديال قطر قنطرة نحو بناء المستقبل. وكما انتهى الشوط الأول باستقبال جماهيري ورسمي للمنتخب الوطني أشاد به العالم، نطمح إلى أن ينتهي الشوط الثاني هو كذلك بتقريب الفوارق الاجتماعية وتحسين الدخل الفردي وتقليص نسبة الفقر وتطوير الحكامة للقضاء على الفساد لنلحق بالعالم المتقدم أو على الأقل تقليص المسافة بيننا. تحقيق النهضة التنموية هو المدخل الأساسي للحلم بالفوز بكأس العالم.