من ملتقى للتجار والفقهاء والطلبة، إلى مجرد “تسوقة العيد” باهتة… هكذا تراجع موسم سيدي حساين بالاخصاص ( المقار نطلاطا) بين أمجاد الأجداد وعبث الأحفاد.
بقلم: ابن واد نون احمد بومهرود
ليست المواسم في المغرب مجرد أسواق عابرة، بل هي ذاكرة حية تختزن تاريخ الأجداد، وتجسد روح التبادل والتلاقي بين الناس. وفي الجنوب المغربي، يظل موسم الوالي الصالح سيدي حساين بالاخصاص شاهدًا على هذا العمق، فقد كان لعقود طويلة أحد أكبر المواسم في المنطقة، ولم يكن يضاهيه سوى موسم تنذوف الذي كان الأجداد يتوجهون إليه قبل سنة 1974 مباشرة بعد انتهاء موسم الاخصاص.
اليوم، يقف هذا الموسم أمام خطر الاندثار، بعدما فقد بريقه وتحوّل إلى ظل باهت لما كان عليه في الماضي.
- موسم بحجم التاريخ
لم يكن موسم الاخصاص مجرد سوق لتبادل السلع، بل كان ملتقىً تجاريًا ودينيًا وثقافيًا.
التجار كانوا يفدون ببضائعهم وماشيتهم من مختلف أنحاء المملكة.
الفقهاء والطلبة كانوا يحيون ليالي الذكر وتلاوة القرآن الكريم.
الأطفال كانوا يجدون متعتهم في الألعاب الشعبية والسيرك.
الزوار كانوا يعودون بتجارب غنية، تجمع بين التجارة والروحانية والاحتفال.
لقد كان موسمًا شاملاً، يعكس غنى الهوية المغربية وتنوعها، ويمثل نقطة تواصل بين سوس والصحراء، ومحطة أساسية في دورة المواسم بالجنوب.
- حين اختلطت الأوراق
غير أن هذا الإرث العريق تعرّض في العقود الأخيرة إلى تشويه خطير، حين تم خلط الموسم بالمهرجان.
فبدل أن يكون المهرجان قيمة مضافة، تحول إلى بديل أفرغ الموسم من جوهره. جُرفت الخيام التي كانت شاهدة على التاريخ، وأقيمت مكانها منصات غنائية، فانطفأ البعد التجاري والديني والثقافي، واختُزل الموسم في مجرد “تسوقة عيد” بلا روح.
- مفارقة صارخة
المفارقة أن الأموال الطائلة التي تُنفق على الحفلات والرقصات، كان الأجدر أن تُستثمر في تطوير الموسم نفسه: في بنيته التحتية، في تنظيمه، في الترويج له، وفي تحويله إلى رافعة اقتصادية وثقافية. فالعالم اليوم يبحث عن مثل هذه الفضاءات التراثية الأصيلة، التي تجمع بين التجارة والثقافة والروحانية.
- موسم أم ذاكرة؟
إن الدفاع عن موسم سيدي حساين ليس رفضًا للمهرجانات، بل هو دفاع عن التوازن والهوية.
فالمهرجان يُمتع يومًا، أما الموسم فيصنع ذاكرة جماعية. وإذا استمر هذا العبث، فإننا لا نفقد مجرد حدث سنوي، بل نفقد جزءًا من تاريخ الجنوب المغربي وروحه.
- النداء الأخير
لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لموسم سيدي حساين بالاخصاص، وجعله محورًا للتنمية الثقافية والسياحية والاقتصادية. فهذا الموسم ليس ملكًا لأشخاص أو جهات، بل هو أمانة في أعناق الجميع، وديعة تركها الأجداد للأحفاد، وذاكرة لا يجوز التفريط فيها.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه:
هل سنترك موسم سيدي حساين يموت بصمت، أم سنعيد له الحياة؟
وكم من الأموال استرجعت فعلًا من رسوم الموسم ليستفيد منها أبناء الجماعة؟ وكم من الأموال صُرفت في المقابل على المهرجان الذي قام على أنقاضه؟
أسئلة حارقة، وإجاباتها وحدها كفيلة بكشف من يحرص على ذاكرة الجنوب، ومن يفرّط فيها.
التعاليق (0)