بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في مشهد دبلوماسي رفيع بنيويورك، وعلى هامش أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التأم وزراء خارجية بلدان تحالف دول الساحل الأربعة ( النيجر، مالي، بوركينا فاسو، وتشاد) حول رؤية واحدة: الانخراط الكامل في المبادرة الملكية الرائدة التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والرامية إلى تمكين هذه الدول الإفريقية من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
إنه ليس مجرد اجتماع بروتوكولي أو تصريح إعلامي، بل لحظة تاريخية تُعيد رسم ملامح الجغرافيا الإفريقية الاقتصادية والسياسية، بقيادة رجل دولة بحكمة القادة التاريخيين وبعد نظر الاستراتيجيين الكبار: جلالة الملك محمد السادس.
- مبادرة ملكية تتجاوز الجغرافيا وتخترق التاريخ
عندما أعلن جلالة الملك محمد السادس، في خطاب المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2023، عن مبادرته لتمكين دول الساحل من الوصول إلى الأطلسي، لم يكن الأمر مجرد إعلان نوايا. بل كانت تلك الدعوة الموجهة للعقل الإفريقي الجمعي تحمل رسائل عميقة:
-رؤية للتكامل الإفريقي الحقيقي، عابر للحدود الاستعمارية التي حاصرت دولاً بكاملها في الداخل، محرومة من المنافذ البحرية؛
-دعوة إلى التمكين الاقتصادي، عبر فتح بوابات التجارة والنقل والاستثمار، وتحويل الساحل الإفريقي من “منطقة عبء” إلى “منطقة فرصة”؛
-وتجسيد حي للتضامن الإفريقي، ليس بالكلام ولكن بالفعل، ومن خلال آليات عملية ومؤسسات متابعة وتخطيط.
- انخراط أفريقي صادق… واعتراف بريادة ملكية
المواقف التي صدرت عن وزراء خارجية النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد كانت بليغة في مضمونها:
تحدثوا عن “امتنان كبير”، و”استقبال تاريخي”، و”رؤية استشرافية”، و”مبادرة ملموسة”… كلمات لا تأتي مجاملة، بل تعكس اقتناعًا حقيقيا بأن المغرب، بقيادة جلالة الملك، يمضي قُدمًا في صنع التاريخ الإفريقي الجديد.
وزير خارجية النيجر باكاري ياو سانغاري، لخص الموقف قائلاً: “ننتقل من مرحلة التصور إلى مرحلة التنفيذ لنُظهر للعالم أن المبادرة الملكية الأطلسية قائمة وملموسة”.
أما الوزير المالي عبد الله ديوب، فقد نوه بـ”المقاربة القائمة على الإنصات والاحترام”، التي اعتبرها نادرة في العلاقات الدولية، لكنها سِمة دائمة في الدبلوماسية الملكية.
- رؤية ملكية ذات أبعاد استراتيجية شاملة
ليست هذه المبادرة مجرد “مشروع بنية تحتية”، بل تصور شامل لمستقبل المنطقة، يقوم على مرتكزات استراتيجية:
- فك العزلة الجيو-اقتصادية عن دول الساحل، وفتح بوابة تنموية على الأطلسي؛
- تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي عبر التنمية، وليس فقط عبر المقاربات الأمنية التقليدية؛
- ربط العمق الإفريقي بشبكات الاقتصاد العالمي عبر المغرب، كبوابة موثوقة تجمع بين القرب الجغرافي والتكامل اللوجستي؛
- إعطاء إفريقيا الوسائل السيادية لتنمية مواردها واستغلال ثرواتها، دون وسطاء ولا تبعية.
- المغرب… نموذج التضامن الملكي الحقيقي
لقد أثبت المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، مرة أخرى، أنه لا يتعامل مع إفريقيا بمنطق الهيمنة أو المصلحة الضيقة، بل بمنطق الشراكة والتكامل والتضامن.
من الكوب 22 إلى مبادرة الأطلسي، ومن شراكات الطاقة النظيفة إلى مشاريع البنية التحتية العابرة للقارات، يؤكد المغرب أن مكانته الإفريقية ليست شعارًا، بل مسؤولية يحملها جلالة الملك حفظه الله بروح قائد إفريقي ملتزم بمصير القارة.
- كلمة أخيرة: ملك يبني المستقبل من الآن
في زمن تتراجع فيه بعض القوى عن التزاماتها تجاه إفريقيا، وتغيب فيه الرؤى بعيدة المدى، يُطل جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده كرجل رؤية، يؤمن بأن مستقبل المغرب لن يكون دون إفريقيا، ولا مستقبل لإفريقيا بدون تكامل شعوبها.
مبادرة الولوج إلى الأطلسي ليست فقط مشروعا تنمويا، بل تحول استراتيجي في بنية العلاقات الإفريقية-الإفريقية، يقوده ملك يعرف جيدا أن البحر ليس نهاية الجغرافيا، بل بداية الرحلة نحو الازدهار المشترك.
حفظ الله جلالة الملك، وسدد خطاه، وبارك في مبادراته التي تصنع الفرق، وتُعطي لإفريقيا ما تستحق من أمل ومكانة.