أخبار وطنية

من عبقرية الحسن الثاني إلى بصيرة محمد السادس: ملحمة مغربية في تدبير الماء

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في بلد تتعاقب عليه فصول الجفاف ويُعد فيه الماء ثروة استراتيجية لا تقل أهمية عن الفوسفاط أو الأمن الغذائي، كانت الرؤية الملكية دائمًا سباقة إلى ابتكار الحلول، وتشييد صروح التنمية المائية، في إطار سياسة متكاملة وضع لبنتها الأولى الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ويواصل ترسيخها وتطويرها الملك محمد السادس نصره الله.
من سياسة السدود الكبرى إلى استراتيجية تحلية مياه البحر، تتجلى بوضوح عبقرية ملوك المغرب في مواكبة التحولات المناخية والديمغرافية، وتدبير الماء بمنطق الاستباق والتخطيط الاستراتيجي، لا بمنطق ردود الأفعال أو التدبير العشوائي.

  • الحسن الثاني : رجل السدود وصانع الأمن المائي

في ستينيات القرن الماضي، وبينما كانت دول كثيرة تبحث عن نموذج تنموي، أطلق الملك الحسن الثاني رحمه الله واحدة من أجرأ وأذكى السياسات العمومية في تاريخ المغرب الحديث: سياسة بناء السدود. لم تكن مجرد مشاريع للبنية التحتية، بل كانت رؤية متكاملة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الغذائي، وتحويل المغرب من اقتصاد مطري هش، إلى اقتصاد يعتمد على تعبئة المياه وتخزينها.
قالها الراحل الحسن الثاني بعبارته الشهيرة: “إن معركة السدود هي امتداد لمعركة الاستقلال، لأنها معركة من أجل الإنسان المغربي.”
وبالفعل، أثمرت هذه السياسة عن تشييد العشرات من السدود الكبرى والمتوسطة والصغرى، ما مكن من:

-تأمين الماء الشروب لجل المدن المغربية.
-توسيع المساحات المسقية.
-ضمان استقرار الفلاحين والرفع من الإنتاجية الزراعية.
لقد كانت عبقرية الحسن الثاني واضحة في ربطه بين الماء والسيادة، بين تنمية العالم القروي واستقرار الدولة، بين الفلاحة والأمن القومي.

  • محمد السادس : تحلية المياه كسلاح لمواجهة المستقبل

وبينما تتفاقم أزمة الماء عالميًا بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، جاءت الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس نصره الله لتُحدث نقلة نوعية في السياسة المائية المغربية، من خلال إطلاق مشاريع ضخمة لتحلية مياه البحر، وجعلها خيارًا استراتيجيًا لا رجعة فيه.
إنها مرحلة جديدة من ملحمة الماء المغربي، تقوم على الابتكار والتكنولوجيا، دون أن تتنكر للإنجازات الكبرى التي تحققت في عهد والده. فكما كانت السدود رمزًا للتنمية في القرن العشرين، فإن محطات التحلية اليوم تُعد درعًا واقيًا للمغرب من تقلبات المناخ وشح المياه.
ففي أكادير، تمت إقامة واحدة من أكبر محطات تحلية المياه بإفريقيا، بطاقة إنتاجية متنامية تجمع بين تزويد الساكنة بالماء الشروب، ودعم الفلاحة السقوية. مشاريع مماثلة أُطلقت في الداخلة، سيدي افني ،آسفي، الناظور، الحسيمة، والدار البيضاء، في إطار رؤية ملكية طموحة لتغطية %50 من الحاجيات المائية للمغرب عبر التحلية في أفق 2030.

  • الملوك حين يصنعون المستقبل

إن ما يثير الإعجاب في التجربة المغربية في تدبير الماء، ليس فقط تنوع الأدوات والتقنيات، بل حضور البعد الإنساني والسيادي في كل خطوة. الملوك في المغرب لا يرون في الماء مجرد مورد طبيعي، بل عنصرًا أساسيا في كرامة المواطن واستقرار الوطن.
في عهد الحسن الثاني، كانت السدود بمثابة “حصون مائية” تحمي الشعب من الجفاف والمجاعة.
وفي عهد محمد السادس، أصبحت التحلية “درعًا تكنولوجيًا” يحمي المغرب من تقلبات الطبيعة ويؤمن ماء الغد.
إنها ملحمة ملكية مستمرة، حيث يلتقي الماضي بالمستقبل، وتتجسد عبقرية القيادة في استشراف ما لا يراه الآخرون، والعمل بصمت وثبات على خدمة الوطن والمواطن.

  • حين يكتب التاريخ بالماء

في زمن تعاني فيه أمم كثيرة من شح المياه وتصارع من أجل البقاء، استطاع المغرب، بفضل القيادة الرشيدة لملكيه العظيمين، أن يتحول إلى نموذج يحتذى به في العالم العربي والإفريقي في مجال الأمن المائي.

وإن كان الحسن الثاني قد شيد السدود كقلاع تنموية، فإن محمد السادس يبني اليوم مستقبل الماء المغربي بذكاء استراتيجي، لا يقل شأنًا ولا عظمة.

هي قصة شعب وملوك، قصة وفاء وتخطيط، وقبل كل شيء، قصة حب لهذا الوطن العظيم.