بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
لسنوات طويلة، ظل ملف الصحراء المغربية يُراوح مكانه في دهاليز الأمم المتحدة ودهاليز السياسة الدولية، وتُستخدمه بعض الأطراف كورقة ضغط أو مساومة، في تجاهل تام لمعطيات الجغرافيا، حقائق التاريخ، وروابط الأرض والهوية. إلا أن التحولات الأخيرة على الساحة الدولية، وما واكبها من اعترافات صريحة بمغربية الصحراء، تؤشر إلى أن هذا الملف يتجه نحو نهايته الحتمية، مطويًا كما تُطوى صفحة انتهت صلاحيتها، فيما “سَتُلوى السنة” كل من لا يزال يراهن على أطروحة الانفصال أو يسبح ضد تيار الواقعية الجيوسياسية.
- من الجمود إلى الانفراج: تغير في مزاج المجتمع الدولي
خلال العقود الماضية، حافظ الملف على درجة عالية من التعقيد، نتيجة تداخل المواقف الدولية، وضغوطات إقليمية، ودعم غير مباشر من قوى خارجية لجبهة “البوليساريو”. لكن بدءًا من نهاية العقد الثاني من القرن 21، بدأنا نشهد تغيّرًا نوعيًا في تعامل القوى العالمية مع هذا الملف.
الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأولى عالميًا، أعلنت في 2020 اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، فاتحة الباب أمام موجة من المواقف الدولية المماثلة. تلتها دول أوروبية ولاتينية وأفريقية وآسيوية، اعترفت صراحة بمغربية الصحراء، أو على الأقل فتحت قنصليات في مدن العيون والداخلة، في إشارة واضحة إلى اعتراف عملي بسيادة المغرب.
- الاستثمارات الدولية: تصويت بالثقة في الاستقرار والسيادة
الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي كانت تُقدم في الإعلام المعادي كمناطق نزاع، أصبحت اليوم أرضًا خصبة للاستثمارات الكبرى. شركات دولية عملاقة بدأت في ضخ رؤوس أموال ضخمة في مشاريع الطاقة المتجددة، السياحة، البنية التحتية، وموانئ الأطلسي.
المغرب، من جهته، لم ينتظر “الحل السياسي” ليطور هذه المناطق. بل جعلها جزءًا من نموذجه التنموي الجديد، في إطار الجهوية المتقدمة، واضعًا إياها في صلب الاستراتيجية الوطنية لربط شمال المملكة بجنوبها، وإفريقيا بأوروبا.
- الديمقراطيات تفهم الملف: الواقعية تنتصر
أحد أبرز التحولات الحاسمة في مسار الملف، هو أن الديمقراطيات الكبرى بدأت تُفكك رواية “البوليساريو”، وتفهم حقيقة النزاع. لم يعد بالإمكان خداع البرلمانات الأوروبية بمزاعم حقوقية مشبوهة، خصوصًا في ظل افتضاح علاقات الجبهة مع شبكات التجنيد والاتجار بالبشر، واستغلال المساعدات الإنسانية.
الاقتراح المغربي بالحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، بات يُنظر إليه كحل جدي، عادل وواقعي، يحفظ كرامة الجميع ويضمن استقرار المنطقة، وهو ما أكده مجلس الأمن في أكثر من مناسبة.
- الدبلوماسية الملكية: رصيد القوة الناعمة المغربية
ولا يمكن بأي حال فصل هذه الإنجازات عن الدبلوماسية الملكية الناجحة، التي أدارت الملف بحكمة وثبات طيلة عقود. الفضل في إظهار الحق المغربي يعود إلى ما يتمتع به المغرب من قدرة إقناع عالية، مستندًا إلى أدلة قاطعة، ومعززًا بحقائق تاريخية وروابط بيعة متجذرة بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي. لقد استطاع المغرب أن يُحوّل هذا الملف من قضية تُناقش في أروقة مغلقة، إلى حقائق تتجسد على الأرض، واعترافات علنية من مختلف دول العالم.
وإذا كان هناك من عزاء يجب تقديمه، فهو للأبواق المأجورة التي اشتغلت على هذا الملف لعقود، وبنت على الوهم مشاريع إعلامية وسياسية فقدت اليوم موضوعها. فبماذا سيتحدثون الآن؟ ولدى من سيشتغلون؟ إنهم أمام ورقة احترقت، وقضية حُسمت، ومسار لن يعود إلى الوراء.
- ماذا تبقى؟
اليوم، لا يبدو أن جبهة “البوليساريو” تملك الكثير لتقوله، ولا أن داعميها يملكون ما يُراهنون عليه. الجزائر، التي طالما استخدمت هذا النزاع كأداة خارجية، تواجه تحديات داخلية اقتصادية وسياسية خانقة، تجعلها عاجزة عن مواصلة “تمويل الوهم”.
أما المغرب، فماضٍ في تنميته، واثق من شرعية قضيته، مدعومًا من شعبه، ومن عدد متزايد من الدول التي بدأت ترى في الاستقرار المغربي ضمانة لأمن المنطقة ككل.
- طي الصفحة بلغة العقل
ليس من المبالغة القول إننا نعيش اللحظة الحاسمة في ملف الصحراء المغربية. فالاعترافات تتزايد، والاستثمارات تتضاعف، والمعارضة تتآكل.
هذا ليس مجرد نصر دبلوماسي، بل انتصار للرؤية المتبصرة، وللحكمة الاستراتيجية التي قاد بها المغرب هذا الملف المعقد لعقود. صفحة ستُطوى، ولغة ستُلوى، والحقيقة ستظل راسخة: الصحراء مغربية، وستبقى مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.