كأس إفريقيا بالمغرب: حين ترى العقول الكبيرة ما تعجز العيون الصغيرة عن استيعابه

أكادير الرياضي

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

بين صافرة بداية المباريات وصافرة نهايتها، لا تُقاس الأحداث الكبرى فقط بالأهداف والنتائج، بل بما تكشفه من فروق شاسعة بين من ينظر بعين ضيقة ومن يقرأ المشهد بعقل استراتيجي واسع. هكذا كان تنظيم كأس إفريقيا للأمم بالمغرب: اختبارًا حقيقيًا ليس للمنتخبات فقط، بل للعقول أيضًا.
في لحظة انطلاق المقابلات، انقسم المتابعون إلى فئتين: فئة انشغلت بالتفرج أو البحث عن هفوة، وفئة أخرى قرأت ما وراء الحدث. هناك من انتقد، وهناك من لجأ إلى التضليل، بل إن بعض المنابر الإعلامية لم تتردد في توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي خارج سياقها لتصوير الأمور وكأن “كل شيء غير مناسب”، في تناقض صارخ مع الواقع الميداني. إعلاميون كذبوا على مشاهديهم، لا عن جهل فقط، بل أحيانًا عن سوء نية.
لكن في الجهة الأخرى من المشهد، حيث تقف العقول الكبيرة، كان التقدير مختلفًا تمامًا. قنوات فضائية عالمية كبرى، خاصة في الولايات المتحدة والصين، لم تنظر إلى كأس إفريقيا من زاوية النتيجة أو الأداء الفني فقط، بل ركزت على ما هو أعمق: التحول الاقتصادي والتقني الذي يعيشه المغرب.
الحديث هناك لم يكن عن مباراة فازت أو خسرت، بل عن ملاعب شُيّدت بمعايير غير مسبوقة في القارة الإفريقية، وعن طرق بناء حديثة جعلت من التجربة المغربية نموذجًا يُدرس. ملاعب عملاقة، ظهرت بهذا الشكل لأول مرة في المغرب، لدرجة أن شركات عالمية مرشحة مستقبلاً للاستعانة بالخبرة المغربية في تشييد منشآت رياضية دولية.
أما الصين، بثقلها التقني والإعلامي، فقد ذهبت أبعد من ذلك. برنامج مطول على قناتها الرسمية وصف التجربة المغربية بـ”الخيالية”، متوقفًا عند تقنية تصريف المياه في ملاعب كرة القدم، وهي تقنية متقدمة أبهرت الخبراء. ملاعب قادرة على الصمود أمام أمطار طوفانية أو حتى ظروف ثلجية دون توقف المباريات، ودون الحاجة إلى حلول بدائية لإخراج المياه. أمر لم يمر مرور الكرام لدى المختصين حول العالم.
وإذا أضفنا إلى ذلك البنية التحتية المغربية من طرق، ونقل، وتنظيم، سنفهم لماذا أصبح المغرب اليوم مقارنًا بدول أوروبية في هذا المجال، ولم يعد مجرد “دولة منظمة لبطولة” بل شريكًا محتملاً في صناعة الرياضة العالمية.
في المقابل، تظل هناك “العقول الصغرى” التي لا ترى سوى الهفوات، وتبحث عنها بإصرار، خاصة لدى أعداء متزمتين أو مرضى بالنجاح المغربي، ومن يدور في فلكهم. هؤلاء لم يدركوا أن العالم لا يقيس التقدم بالضجيج، بل بالإنجاز.
حتى في الإعلام العربي والخليجي، برز الإعجاب واضحًا. إلى حد أن أحد الإعلاميين أوقف برنامجه على الهواء متسائلًا بدهشة صادقة: كيف صمدت الملاعب المغربية أمام شتاء غزير دون توقف المباريات؟ سؤال لم يجد له جوابًا إلا في كلمة واحدة: التخطيط.
إنها رسالة واضحة: المغرب لم يصل بالصدفة، ولم يتقدم بالشعارات، بل بالعمل، والرؤية، والاستثمار في الإنسان والتقنية.
أما النصيحة التي يمكن توجيهها للصغار، فهي بسيطة: لا تضيعوا وقتكم في تتبع المغرب… فقد سبقكم بقرون من الزمن.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً