يستعد المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية لاستقبال رمضان المبارك في ظل ظرفية تتسم بالتضخم المتسارع، مما يثير العديد من المخاوف في صفوفهم بشأن القدرة على اقتناء ما يحتاجونه من مواد غذائية، خاصة تلك التي يكثر الإقبال عليها في الشهر الفضيل. ويكفي القيام بزيارة لمختلف المراكز التجارية في العاصمة الأمريكية لملاحظة الارتفاع الحاد الذي تعرفه أسعار المواد الغذائية الضرورية لصحة الإنسان، لا سيما خلال شهر الصيام.
تقول زكية، وهي أمريكية من أصول مسلمة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أثناء اقتنائها ما تحتاجه من مواد غذائية من أحد المراكز التجارية في أرلينغتون، بفيرجينيا، إنها “تشعر بخيبة الأمل جراء الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية التي لا يمكننا الاستغناء عنها، مثل الفواكه والخضروات، وغيرها من المواد الأساسية، وخاصة خلال الشهر الكريم الذي تزداد فيه حاجة الجسم إلى الفيتامينات والألياف والمعادن “.
من جهته، أوضح نبيل الذي كان يهم بدخول متجر للمنتجات الحلال التي يكثر الإقبال عليها من طرف المسلمين في فرجينيا، أن “ارتفاع التضخم لن يمكن الكثيرين في رمضان من اقتناء بعض الأغذية التي تعد أساسية على مائدة الإفطار لضمان تغذية صحية ومتوازنة”.
وأضاف أنه “سيتعين على مسلمي أمريكا دفع المزيد لاقتناء المواد الغذائية الأساسية فقط”. وحسب بيانات رسمية جديدة، فقد سجل التضخم، خلال الـ 12 شهرا حتى متم فبراير، ارتفاعا بلغت نسبته 6,4 في المائة في الولايات المتحدة، وهي أعلى زيادة منذ عام 1982.
علاوة على ذلك، ووفقا لبيانات صادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، فقد شهد مؤشر الفواكه والخضروات أكبر زيادة، حيث ارتفع بنسبة 2,3 في المائة، وهو أكبر ارتفاع شهري له منذ مارس 2010. كما ارتفع مؤشر منتجات الألبان والمنتجات ذات الصلة بنسبة 1,9 في المائة، وهي أكبر زيادة شهرية منذ أبريل 2011. من جهته، ارتفع مؤشر اللحوم والدواجن والأسماك والبيض بنسبة بلغت 1,2 في المائة في فبراير الماضي، في حين سجل مؤشر الحبوب ومنتجات المخابز ارتفاعا بنسبة 1,1 في المائة، ومؤشر باقي الأغذية المنزلية بنسبة 0,8 في المائة خلال الشهر ذاته.
في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب”، يوم الثلاثاء الماضي، أن ارتفاع الأسعار شكل مصدر القلق الاقتصادي الأكبر للأمريكيين، حيث وصف 17 في المائة منهم التضخم بأنه “أهم معضلة تواجهها البلاد”.
وتتغير ضغوط التضخم بشكل طفيف بتغير الدخل الفردي للأشخاص، حيث يشعر حوالي 63 في المائة من الأشخاص الذين يبلغ مدخولهم السنوي 40 ألف دولار أو أقل بالقلق الشديد، مقارنة بـ58 في المائة ممن يربحون 100 ألف دولار أو أكثر.
ويرى الخبراء الاقتصاديون في “بلومبرغ” أن التضخم الحاد، الذي يتوقع أن يستمر طيلة السنة الجارية، سيدفع الأسر الأمريكية المتوسطة إلى إنفاق 5200 دولار إضافية مقارنة بالعام الماضي، أي ما قيمته 433 دولارا إضافيا شهريا مقابل نفس الخدمات والسلع التي اقتنوها السنة الماضية. كما يعتقد العديد من الخبراء أن النمو القوي للأجور والمدخرات الزائدة المتراكمة في بداية الوباء سيساهمان في تخفيف الصدمة، غير أنه من المرجح أن يؤدي الوضع الاقتصادي الذي يلوح في الأفق إلى تفاقم مشكلة التضخم خلال الأشهر المقبلة.
وحسب الخبراء، فإن “الاستنفاذ المتسارع للمدخرات سيحفز الأشخاص الذين لم ينضموا بعد إلى الساكنة النشطة، ومن المحتمل أن تؤدي الزيادة في العرض من اليد العاملة نتيجة هذا الوضع، إلى إضعاف نمو الأجور”.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض سيكونون الأكثر تضررا، لكونهم لا يتوفرون على المدخرات الكافية لمواجهة ارتفاع الأسعار، لا سيما أنه من المتوقع أن يتباطأ نمو الأجور على مدار السنة نتيجة لتزايد عدد الباحثين عن فرص الشغل.
وتمثل الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية تهديدا آخر قد يؤدي إلى تفاقم الوضع، لاسيما أن النزاع في أوكرانيا أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة وخلق عقبات جديدة أمام سلاسل التوريد العالمية. كما قد يؤدي، في حالة استمراره، إلى تسجيل ارتفاعات جديدة في نسبة التضخم. وفي السياق ذاته، توقعت “بلومبرغ” أن أسعار النفط الخام قد ترتفع أيضا إلى 160 دولارا للبرميل، وهو الأمر الذي سيؤدي، وفقا لتقديرات منفصلة، إلى ارتفاع متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة ليتجاوز 5 دولارات للجالون (1 جالون = 3.7 لتر).
وحسب جمعية السيارات الأمريكية، فقد ارتفع المتوسط الوطني إلى 4,24 دولار في 29 مارس المنصرم، وهو مستوى يقترب من المستويات القياسية. وفي ظل هذا الارتفاع واسع النطاق، سيكون من المستحيل تقريبا على الأمريكيين الإفلات من ضريبة التضخم لهذا العام، لذلك قد تكون سنة 2022 الأسوأ في عهد التضخم المرتفع.