بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في الطرق السياسية، كما في شوارع المدن الكبرى، لا يكفي أن تمتلك سيارة فاخرة لتقود بثقة؛ المهم أن تعرف الاتجاه. يبدو أن الدبلوماسية الجزائرية هذه الأيام فقدت السيطرة على المقود، وهي تنزلق على منحدر التحولات الدولية بسرعة تفوق قدرة المكابح على الاستجابة.
- من موسكو إلى كييف.. طريق باتجاهين متعاكسين
في الوقت الذي كان فيه المغرب ينسج خيوط شراكة استراتيجية هادئة مع روسيا، تجمع بين المصالح الاقتصادية والرهانات الجيوسياسية، قررت الجزائر فجأة أن تشغّل المحرك وتنعطف نحو كييف الوجهة الأكثر إرباكًا في خريطة العالم اليوم.
النتيجة: مشهد يشبه سيارة دبلوماسية تسلك الاتجاه المعاكس في طريق سريع مزدحم بالتحالفات.
الرباط تتحرك بلغة البراغماتية، تزرع المصالح حيث يمكن أن تُثمر، وتفهم أن موسكو، في زمن الحرب والعقوبات، تبحث عن شركاء عقلانيين في إفريقيا. أما الجزائر، فاختارت الرد بطريقة انفعالية، وكأن السياسة الخارجية مجرد سباق يومي مع الجار الغربي: “إذا اقترب من موسكو، فلنُغازل كييف”.
- ردّ فعل بدل استراتيجية
التحرك الجزائري نحو أوكرانيا لم يقرأ جيداً خرائط القوى الجديدة. فروسيا، التي تمسك اليوم بملفات إفريقيا ومجلس الأمن وملف الصحراء، لا يمكن أن ترى في الخطوة الجزائرية إلا طعنة دبلوماسية ناعمة في لحظة دقيقة.
بينما كانت موسكو تفتح نوافذ الحوار مع الرباط حول الاستقرار في الساحل وملف الصحراء، كانت الجزائر ترفع علم أوكرانيا الدبلوماسي، وكأنها تقول للكرملين: “نحن لا نخاف من السير في الاتجاه الخطأ”.
- في الرباط: حسابات هادئة، وفي الجزائر: مناورة متوترة
الرباط تُبني سياستها الخارجية كمهندس يضع لبنة فوق أخرى. اتفاق في الطاقة، تعاون في الأمن البحري، دعم متبادل في المنظمات الدولية. خطوات محسوبة، بلا ضجيج.
أما الجزائر، فتعتمد “ردود الفعل”، تُطلق مبادرات مرتجلة، ثم تُصدر بيانات مطمئنة لتفسير ما لا يمكن تفسيره. وكأنها تقود وسط الضباب وتُقسم أن الرؤية واضحة.
- حين تتحول السياسة إلى قيادة تحت المطر
في علم السياسة كما في تعليم القيادة، هناك قاعدة ذهبية: إذا بدأت السيارة بالانزلاق، لا تُحاول التسرع في تصحيح الاتجاه، لأن ذلك يزيد الوضع سوءاً.
الجزائر لم تستوعب هذه القاعدة. فبدلاً من تهدئة السرعة ومراجعة المسار، اختارت الضغط أكثر على دواسة ردّ الفعل. النتيجة: فقدان توازن دبلوماسي، وتراجع في موقعها داخل دوائر القرار الروسي، مقابل صعود الرباط كلاعب عقلاني يعرف متى يتحدث ومتى يصمت.
- النتيجة: المغرب يُبحر بثبات، والجزائر تُناور في العاصفة
موسكو تقترب أكثر من الرباط، لأن الأخيرة تُقدّم لها لغة المصالح المشتركة، لا خطابات الأيديولوجيا.
كييف تُصافح الجزائر بابتسامة عابرة، تعرف أنها لا تملك ما تقدّمه سوى رسالة رمزية للكرملين.
وفي الكواليس، يسجّل صانع القرار الروسي ملاحظة بسيطة:
“الرباط شريك
استراتيجي يمكن الاعتماد عليه، الجزائر
غير مستقرة في تموضعها.”
- خاتمة: الانزلاق مستمر
ما يجري ليس مجرد سوء تقدير ظرفي، بل أزمة في فهم قواعد اللعبة الدولية. السياسة اليوم لم تعد تُدار بالشعارات، بل بالأرقام، بالموانئ، وبعقود الاستثمار.
وحتى إشعار آخر، تبدو الجزائر في وضع “الانزلاق المستمر”، تحاول تصحيح المسار على طريق زلق، بينما المقود ما يزال في يد المرتبك.
وفي النهاية، تظل القاعدة بسيطة وواضحة:
السياسة لِمُواليها…
منطقُها رابحٌ رابح.