خطاب الرئيس الجزائري: حين يتحول الحديث عن “القوة” إلى مسرحية سياسية على حساب الجيران

خارج الحدود

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية.

من يستمع إلى الخطاب الأخير لرئيس الجزائر قد يظن أننا على أعتاب إطلاق “الجمهورية الفضائية الجزائرية”، لا مجرد خطة لعصرنة البلاد والجيش بحلول عام 2026.
خطاب طويل، متشعب، يبدأ بالاقتصاد وينتهي بالتهديد، يمرّ على الفوسفاط، ويعرّج على الذكاء الاصطناعي، ثم يطل فجأة على المغرب… وكأن كل إنجاز جزائري لا يكتمل إلا بجرعة عداءٍ رمزية للجار الغربي.

  • عصرنة شاملة… تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالتخويف

الرئيس تحدث عن “اقتصاد قوي وجيش قوي”، وهي عبارة لا غبار عليها لو لم تُقال بنبرة توحي بأن الجيش القوي موجه أكثر نحو نشر البيانات النارية من مواجهة الأخطار الحقيقية.
أما “عصرنة البلاد”، فبدت في الخطاب وكأنها مشروع خيالي أكثر منها خطة اقتصادية: وعودٌ بالفوسفاط، ومدائح دولية لم نرَ تقاريرها، واستقرار يراه المواطن العادي في سعر البطاطا أكثر مما يراه في نشرات الأخبار.

  • الجار المغربي… بطل ثانوي في كل خطاب جزائري

لا خطاب رسمياً في الجزائر يكتمل دون أن يُذكر المغرب بشكل مباشر أو بالتلميح.
مرة عبر “المخدرات التي تستهدف الشباب”، ومرة عبر “محاولات ضرب الأمن القومي”، ومرة أخرى عبر “المؤامرات الخارجية”.
الغريب أن كل هذه التهديدات المزعومة تأتي من بلدٍ لا يردّ إلا بالصمت الدبلوماسي، وكأن المغرب صار فزّاعة رسمية تُستعمل كلما احتاج الخطاب إلى إثارة التصفيق.
فهل يمكن لبلدٍ يريد “تجسيد التكامل الإفريقي” أن يبدأ مسيرته بتخويف جاره؟
يبدو أن “التكامل” عند بعض الساسة يبدأ بإغلاق الحدود لا بفتحها.

  • ذكاء اصطناعي… بخطاب تقليدي جداً

الرئيس أعلن بفخر أن الجيش الجزائري تأقلم مع “الحروب الهجينة والسيبرانية والذكاء الاصطناعي”.
جميل، لكن لو وُجّه جزء بسيط من هذا “الذكاء الاصطناعي” نحو الذكاء السياسي، لكانت المنطقة المغاربية اليوم أكثر استقراراً.
في زمنٍ تتحدث فيه الدول عن الرقمنة والتعاون الإقليمي، لا يزال الخطاب الجزائري يعيش في زمن “الاستنفار الدائم”، وكأننا على أبواب حرب باردة جديدة.

  • القضية الفلسطينية… فزاعة سياسية عند الطلب

كعادته، لم ينسَ الرئيس أن يلوّح بورقة فلسطين، تلك الورقة التي أصبحت الجوكر الرسمي في كل خطاب سياسي جزائري.
يتحدث عن “الدفاع الشرس عن فلسطين” وكأن الجزائر وحدها تحمل همّ القضية، بينما الحقيقة أن هذا الدفاع لا يظهر إلا في الميكروفونات.
فحين تُغلق الكاميرات، تختفي فلسطين من جدول الأعمال، لتُستبدل بملفات الغاز والعقود العسكرية.
القضية التي يرفعها النظام الجزائري كراية نضال هي في الواقع حصان طروادة يُستعمل لتلميع الصورة الخارجية كلما تزايد الغضب الداخلي أو احتدت الأزمات.
نفاق سياسي مكشوف: دعمٌ لفظي من فوق المنصات، وصمتٌ تام حين يُطلب الفعل.
باختصار، فلسطين في الخطاب الجزائري ليست مبدأ… بل مناسبة إعلامية موسمية.

  • الحاصول !

الخطاب أراد أن يظهر الجزائر كقوة اقتصادية وعسكرية صاعدة، لكنه انتهى بتأكيد فكرة أن البلاد لا تزال أسيرة منطق المقارنات والعداوات القديمة.
وبينما يتحدث الرئيس عن “اقتصادٍ محل ثناء دولي”، يعيش المواطن على وقع طوابير الزيت والعدس.
وبينما يتحدث عن “جيشٍ مهاب الجانب”، تتقلص مساحة الحوار مع الجيران حتى صارت الحدود مغلقة بالكلام قبل أن تُغلق بالأسلاك.
في النهاية، قد لا تكون الجزائر بحاجة إلى “عصرنة الجيش” بقدر ما هي بحاجة إلى عصرنة الخطاب السياسي نفسه.
فالقوة الحقيقية ليست في عدد الأطنان من الفوسفاط، بل في عدد الجسور المفتوحة مع الجيران.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً