جيل زد المغربي يفاجئ الجميع: من تيك توك إلى الشارع

غير مصنف


الاحتجاجات التي عرفها الشارع المغربي مؤخرا، والتي كان وراءها جيل زد، فرضت على الرأي العام تغيير نظرته النمطية لهذا الجيل. جيل زد تتراوح أعماره بين 13 و30 سنة، نشأ في عصر الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي وهو الآن يتطور مع الذكاء الاصطناعي. إنه باختصار شديد جيل ينتمي لعصر متصل مع التكنولوجيا “Génération connectée”.
هذه الصفة التي يتم بها تعريف جيل زد، جعلت المجتمع يضعه في صورة نمطية قوامها شباب يقضي معظم وقته مع هاتفه الذكي، وأمام شاشة حاسوبه غارق في لعبته الإلكترونية، يعيش في عالم افتراضي بعيد عن واقعه بأبعاده المجتمعية والسياسية.
يمكننا القول إن هذه الصورة النمطية طبيعية وعادية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطورات المتسارعة لعصر جيل زد. فقبل ظهور الرقمنة، كانت عصور الأجيال تتطور ببطء شديد، وكان النمط المجتمعي لا يختلف كثيرا بين جيل سابق وجيل ناشئ. لذلك كانت الأجيال متقاربة بينها في السلوك المجتمعي ونمط التفكير والنظرة للجيل الآخر.
لكن الرقمنة والذكاء الاصطناعي، جعلتا تطور المجتمعات يتم بسرعة الكومبيوتر، وهو ما خلق هوة كبيرة بين جيل زد وباقي المجتمع. هذه السرعة في تطور الأجيال، لم تسعف العقل البشري لمواكبة هذه السرعة، وبالتالي نشأت تلك الصورة النمطية عن جيل يعيش في عالمه الافتراضي، ولعبه الالكترونية، ولا يفهم واقعه، كما أنه بعيد عن الشؤون السياسية.
لكن الاحتجاجات الأخيرة التي عرفها الشارع المغربي، كشفت حقيقة أخرى عن هذا الجيل الذي يعيش عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، إنه جيل يفهم في السياسة، ويعرف مشاكل مجتمعه، ويستوعب تناقضاته. فأين هو المشكل إذن؟
سوء فهم شباب جيل زد، مرده إلى اختلاف في المفاهيم ورؤية الأشياء. هذا الجيل مهتم بالسياسية، لكن من منظور مغاير لما هو متعارف عليه لدى الأحزاب. هذا الجيل يفهم تناقضات المجتمع الذي يعيش فيه، لكن وفق منطق مغاير لما موجود. إنه جيل يعيش واقعه ويستشعر مجتمعه لكن من زاوية مرتبطة بعصره الرقمي ومتطلبات الذكاء الاصطناعي.
لكن هذا العصر الرقمي الموسوم بالذكاء الاصطناعي، يشكل تهديدا في تطور الوعي الاجتماعي لدى جيل زد. فئة من هذا الجيل، أصبحت تعتبر اهتمامها بوسائل التواصل الاجتماعي وبالذكاء الاصطناعي، عاملا يجعل منها جيلا أكثر ذكاء وأعمق فهما من باقي المجتمع. إنه منطق يجعل منه جيلا غير قادر على التعامل مع باقي فئات المجتمع، ويزيد من تعقيد تواصله مع شرائح المجتمع.
وفي المقابل، نجد في المجتمع، من يستخف بشباب زد، وينظر إليه كجيل “تلفان” بالفايسبوك وتيك توك وأنستغرام، وسناب شات، وأنه ضحية لوسائل التواصل الاجتماعي.
جيل زد يجب أن يعرف بأن الذكاء لا ينحصر في قضاء ساعات طوال أمام شاشات الهاتف الذكي، ولا يعكسه تضخم الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ينحصر في استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
الذكاء يتحدد في كيفية تعاملنا مع تطبيقات الرقمنة، وقدرتنا على الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لخلق الثروة وتطوير قدراتنا التواصلية. وما التجارة الإلكترونية إلى أحد تجليات هذا التواصل عبر الشبكات الاجتماعية.
إننا أمام جيل يعيش واقعه ويطل على العالم من نافذة الأنترنيت. هذه الثنائية التي يعيشها شباب زد، جعلته يفهم المجتمع والسياسة من منظور مغاير ووفق تعبيرات جديدة.
يجب أن تفهم فئات المجتمع الأخرى، أن جيل زد يفهم في السياسة، ويعرف جيدا مشاكل مجتمعه وتناقضاته، لكن من زاوية مغايرة، ومنطق مختلف عن طريقة فهمه. وهي الطريقة التي يصفها شباب زد بالتقليدية التي تقبلها طريقة جيل زد التي يصفها هذا الأخير بالعصرية والحداثية.
لتوضيح هذه المفاهيم لدى جيل زد، نذكر على سبيل المثال، إقراره بتجاوز الأحزاب السياسية، وعدم قدرته على تقبل أمين عام حزبي ظل في منصبه لولايات كثيرة، ويطمع في الاستمرار. الحزب في منطق شباب زد هو منصة التواصل الاجتماعي كما هو حال منصة ديسكورد. وأعضاء الأمانة العامة هم “أدمين” المجموعة وأعني الأفراد القائمين على تسيير منصة التواصل. وأعضاء الحزب هم المشتركين في المجموعة. إنها نفس الرؤية للسياسة والمجتمع، لكن بمنطق آخر ومصطلحات مغايرة وتعبير مختلف.
في الأخير، نقول إن تصنيف الأجيال لفئة X أو Y أو Z، ما هو إلا تصنيف لتيسير دراسة تعاقب الأجيال من الزاوية السوسيولوجية. ومن الخطأ تحميل هذا التصنيف أكثر من حجمه كضرورة للدراسات الأكاديمية فحسب.
وعلى جيل زد أن يفهم هذا الأمر، وأن يفهم كذلك، أنه جيل يعيش عصره كباقي الأجيال التي سبقته. وكل ما يميزه هو أن يعيش عصرا يتطور بشكل متسارع بسبب الرقمنة وظهور الذكاء الاصطناعي. وهو عامل له تأثيراته الإيجابية، كما أن له تأثيرات جد سلبية قد تؤثر على نمط عيشه

سعيد الغماز -كاتب وباحث