أكادير والجهات

تزنيت .. حين تُصلِح الساكنة طرقها بأيديها: الطريق 115 وصورة ولاية انتخابية معكوسة  

عبدالله بن عيسى – تزنيت

يصوّت الناس كي يجدوا من يترافع باسمهم عن المصلحة العامة، طرق سالكة، ومرافق آمنة، وخدمات تحفظ الكرامة. لكن هذه الولاية الانتخابية تبدو معكوسة؛ إذ يُجبر المواطن نفسه على حمل المعول وجمع التبرعات لترقيع طريق عمومية يفترض أن تكون تحت عهدة المؤسسة.

هنا تخرج الحكمة الشعبية من الكتب إلى الأسفلت: «ما حكّ جلدك مثلُ ظفرك». وهي ليست مدحًا للاعتماد على الذات بقدر ما هي إدانة عارية لغياب مَن انتُخبوا ليفعلوا ذلك.

الطريق رقم 115، الإقليمية 1007 سابقًا، المارّة عبر سدّ يوسف بن تاشفين، تربط إقليمي تزنيت واشتوكة آيت باها، وتخترق مجالات جماعات أربعاء رسموكة والمعدر الكبير وبلفاع، وتمتد آثارها إلى ماسة وآيت ميلك. هذا الشريان جزء من دورة حياة الاقتصاد المحلي، شاحنات محمّلة بالمنتَج الفلاحي تغذّي أسواقًا جهوية وإقليمية يوميًا. ومع ذلك، تحوّل المسار إلى مصيدة من الحفر والمطبات، وإلى امتحان يومي للأعصاب والفرامل. كل ارتجاج لعجلة يعني قطعة غيار إضافية، وكل انحراف لتفادي حفرة يعني احتمال حادث جديد، وكل دقيقة تُهدر في طريق متهالكة تُخصم من رصيد ثقة هشّ أصلًا.

حين تتطوّع ساكنة من ثلاث جماعات، منها رسموكة والمعدر وبلفاع، لترقيع الطريق بإمكانات بسيطة، فنحن أمام علامة مرضية في النسق لا قصة ملهمة فحسب. المبادرة المدنية لا تُعفى بها المؤسسات من واجباتها، وإلا تحوّل العمل التطوعي إلى عُرف بديل عن الحق.

وفي خلفية الصورة، يتآكل العقد الاجتماعي، المواطن يدفع الضرائب وينتظر خدمة عمومية، فيجد نفسه يموّل «إسفلتًا مؤقتًا» ويصوّر «إنجازه» كي يضغط على منتخبٍ تعلّم من قاموس السياسة أن يردّ بالبلاغ لا بالفعل.

المسؤولية موزّعة قانونًا بين وزارة التجهيز والماء والمجالس الجهوية والإقليمية والجماعية، لكن التوزيع لا يبرّر التواطؤ على الفراغ. ما يهمّ الناس ليس خرائط الاختصاصات، بل جدولٌ زمني مُعلن، مَن يقود؟ متى يبدأ الإصلاح؟ متى ينتهي؟ وما الجودة الموعودة؟ استمرار الطريق في هذا الوضع معناه أن التمثيل الانتخابي لم يعد وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، بل واجهة لالتقاط الصور في موسم الوعود.

 السياسة هنا لا تُقاس ببلاغات «نحن نتابع»، بل بعدد الكيلومترات الصالحة للسير، وبانخفاض الحوادث، وبانحسار فاتورة الصيانة على جيوب المهنيين والفلاحين.

الكلفة الحقيقية تتجاوز حفر الإسفلت، هناك نزيفٌ يومي في الوقت والمال والأعصاب، وضربٌ لسمعة المجال الترابي في أعين مستثمرين صغار قبل كبار. طريق بهذا الثقل الاقتصادي لا تُصلح بترقيعات متفرّقة ولا بتكسية موسمية كلما اقترب استحقاق انتخابي.

المطلوب فعلٌ بسيط في منطقه، صعب في ثقافة التدبير المتساهلة، بلاغ مهني خلال أيام يحدّد الجهة القائدة والكلفة ومواعيد الانطلاق والتسليم، وتشخيص تقني منشور يبيّن المقاطع السوداء وطبقات الطريق ونقاط الخطر قرب المنحدرات ومجاري المياه، وطلبُ عروض استعجالي بشفافية مع مؤشرات تقدّم تُنشر دوريًا بالأرقام لا بالصور، وحلول مرحلية جادّة لتأمين السلامة (تنظيف المقاطع، إشارات تحذير، ضبط السرعات) إلى حين الإصلاح الشامل، ثم تعبئة ذكية للتمويل عبر المجلسين الإقليمي والجهوي وبرامج تقليص الفوارق الترابية، وبمساهمة قانونية شفافة من الفاعلين المستفيدين من الطريق، وأخيرًا قناة تبليغ موحّدة لتلقي الشكايات والصور وتحويلها مباشرة إلى فرق الصيانة بآجال استجابة واضحة، ولوحة ورش ميدانية على طول المسار تُثبّت أركان المحاسبة، صاحب المشروع، المقاولة، الكلفة، تاريخ التسليم.

لا أحد يطلب من الساكنة أن تصبح مقاولًا للطرق، وعندما تُدفَع إلى ذلك، فالقضية سياسية قبل أن تكون تقنية. «ربط المسؤولية بالمحاسبة» ليس شعارًا دستوريًا يُستعاد في المناسبات، بل معيارٌ يومي يُقاس عند أوّل حفرة وأوّل انقلاب شاحنة وأوّل استثمار ضائع.

 يوم تُسلَّم الطريق 115 بمعايير مختبَرة، وتدقيقٍ في الجودة، وجدولة زمنية محترَمة، يمكن أن نقول إنّ السياسة استعادت معناها العملي، خدمة الناس لا إدارة غضبهم. وحتى ذلك الحين، كل ارتطام بعجلة ليس مجرد صداع في رأس سائق، بل جرس إنذار في رأس منظومة وعدت بالتنمية… وبدأت بالترقيع.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً