شهدت المنظومة القضائية في المغرب تطورًا هامًا مع دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ، حيث أصدرت رئاسة النيابة العامة دليلاً إرشاديًا يهدف إلى ضمان التطبيق السليم والعادل لهذه العقوبات. هذا الدليل يشكل خطوة حاسمة نحو تحقيق إصلاح شامل في السياسة الجنائية، والتحول من التركيز على الردع والعقاب إلى نهج يتبنى الإصلاح وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.
يهدف هذا القانون، والدليل الذي يفسّر آليات تطبيقه، إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
تخفيف الاكتظاظ في السجون: وهو تحدٍ كبير يواجه النظام القضائي في البلاد.
تمكين المحكوم عليهم من الاندماج مجددًا في المجتمع: بدلاً من العودة إليه بوصمة السجن.
ما هي أبرز أنواع العقوبات البديلة التي يشملها الدليل؟
يحدد الدليل أربعة أصناف رئيسية للعقوبات البديلة، توفر خيارات متنوعة تتناسب مع طبيعة الجرائم وظروف المحكوم عليهم:
العمل للمنفعة العامة: حيث يؤدي المحكوم عليه عملاً غير مدفوع الأجر في مؤسسة عمومية أو جمعية، مما يتيح له المساهمة الإيجابية في المجتمع.
المراقبة الإلكترونية: والتي تسمح بتتبع حركة المحكوم عليه إلكترونيًا.
تقييد الحقوق أو التدابير العلاجية: وتشمل برامج العلاج النفسي أو مكافحة الإدمان، وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للجريمة.
الغرامة اليومية: وهي مبلغ مالي يتم تحديده لكل يوم من أيام العقوبة، ويمكن للمحكوم عليه تسديده على دفعات.
دور النيابة العامة في ضمان نجاح هذا التحول
تتولى النيابة العامة مسؤولية محورية في متابعة ومراقبة تنفيذ هذه العقوبات، مما يضمن دقة وفعالية التطبيق. ويهدف الدليل إلى توحيد فهم القضاة لمقتضيات القانون، بما يحقق التوازن المطلوب بين حماية المجتمع وتوفير فرص حقيقية لإعادة إدماج المحكوم عليهم.
وفي تعليقه على إصدار الدليل، أكد الأستاذ هشام البلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، أن هذا الإجراء يأتي استجابة للتوجيهات الملكية السامية، التي لطالما شددت على ضرورة تحديث المنظومة القانونية وتبني سياسة جنائية عصرية.
يعد هذا الدليل مرجعًا عمليًا لقضاة النيابة العامة، ويقدم لهم شرحًا مفصلاً لمفهوم العقوبات البديلة وأنواعها، ويحدد الجرائم المشمولة بها والمستثناة منها.
نحو سياسة عقابية أكثر إنسانية وفاعلية
يمثل هذا الدليل خطوة رائدة نحو صياغة سياسة عقابية أكثر إنسانية وفعالية في المغرب، حيث لا يقتصر دورها على العقاب فقط، بل يمتد ليشمل إعادة تأهيل وإصلاح المحكوم عليهم. إن نجاح هذا المشروع الطموح يعتمد على التعاون الجاد من جميع الجهات المعنية، ويُشكل بداية عهد جديد في مجال العدالة الجنائية بالمملكة.