جعل الدستور المغربي حق التقاضي حقا مكفولا لكل متضرر من عمل الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بصفة عامة، وأقر حق الطعن ضد جميع القرارات الصادرة عنها حتى وإن لم تستند على نص خاص في ذلك اعتبارا لنص الفصل 118 منه الصريح في أنه:
” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون.
كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة.”
وكرست محكمة النقض هذه القاعدة في مجموعة من القرارات الصادرة عنها منها القرار عدد 2398/1 الصادر بتاريخ 26/11/2015 في الملف الإداري عدد 4223/4/1/2015 ورد في إحدى حيثياته ما يلي:
” لكن إن دستور المملكة، في إطار حماية حقوق المتقاضين وقواعد حسن سير العدالة، قد نص في الفصل 118 على إمكانية الطعن في جميع القرارات الإدارية تنظيمية كانت أو فردية، مانعا بذلك تحصين أي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية.”
واستعرض برنامج 45 دقيقة على قناة الأولى بتاريخ 3 ماي 2020 مجموعة من الحقائق في تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به ضد الجماعات الترابية والمتمثلة في هدر المال العام من خلال تعنت رؤساء الجماعات في تنفيذ هذه القرارات ضدا في طالب التنفيذ ضاربين عرض الحائط مقتضيات الفصل 433 من قانون المسطرة المدنية التي أمرهم بمقتضاها صاحب الجلالة تنفيذ الأحكام والقرارات الحاملة للصيغة التنفيذية.
والتنفيذ إما أن يكون بأداء مبالغ مالية محكوم بها، أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به.
ومن جملة الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الإدارية إلغاء القرارات غير الشرعية الصادرة عن رؤساء الجماعات بصفتهم هاته، من قبيل الامتناع عن تسليم بعض الرخص التي تدخل ضمن اختصاصهم.
وأقر المشرع حق طالب التنفيذ بمراجعة القضاء لجبر المنفذ عليها بتنفيذ الحكم أو القرار وذلك بإقرانه بغرامة تهديدية يومية تصفى على شكل تعويض والتي تصل إلى مبالغ مالية مهمة تؤدى من مالية الجماعة بسبب تعنت الرئيس في تنفيذ الحكم أو القرار.
وأثبت الواقع العملي أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات ضد الجماعات الترابية كلف ميزانياتها مبالغ مالية باهضة بددت وأهدرت بسبب تصرفات الرئيس غير المسؤولة وغير المبررة إطلاقا، بل يعتبر هذا الفعل مجرم بموجب الفصل 241 من القانون الجنائي الصريح في أنه:
” يعاقب بالسجن من خمس إلى عشرين سنة وبغرامة من خمسة آلاف إلى مائة ألف درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعية تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها.
فإذا كانت الأشياء المبددة أو المختلسة أو المحتجزة أو المخفاة تقل قيمتها من مائة ألف درهم، فإن الجاني يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من ألفين إلى خمسين ألف درهم.”
والموظف الذي يجرم الفصل تصرفه ليس الموظف الذي يكون في حالة نظامية مع أحد أسلاك الإدارة طبقا لنص الفصل الثاني من ظهير 1958 المتعلق بالوظيفة العمومية، وإنما المقصود الموظف المنصوص عليه في الفصل 224 من القانون الجنائي الصريح في أنه:
” يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام.
وتراعي صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”
وباعتبار رئيس الجماعة هو الآمر بقبض مداخلها وصرف نفقاتها طبقا لنص المادة 93 من القانون التنظيمي رقم 113.14 ويمثلها بصفة رسمية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية والقضائية ويسهر على مصالحها طبقا لأحكام القانون التنظيمي المذكور والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، يكون بذلك قد ساهم في خدمة أحد الأجهزة الإدارية للدولة ويخاطب بمقتضيات الفصل 241 المومأ إليه.
وجدير بالتأكيد أن الغرامات التهديدية التي تحكم بها المحاكم بمناسبة امتناع الرئيس عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية والتي تصفى على شكل تعويض بالملايين لفائدة طالبي التنفيذ يعتبر تبديد وهدر للمال العام بمفهوم الفصل 241 من القانون الجنائي.
ويجب على السلطة الإدارية المختصة والمكلفة بفحص ومراقبة مالية الجماعات الترابية إعداد تقاريرها بهذا الخصوص وإحالتها على القضاء (أقسام جرائم الأموال المختص) لتحريك المساءلة والحد من العبث في تبديد المال العام في تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية.
الأستاذ محمد بالفقير محام بهيئة أكادير