بين 18 نونبر و 31 أكتوبر…المغرب يفتح صفحة جديدة في مساره الوطني

أخبار وطنية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

يحلّ عيد الاستقلال في 18 نونبر من كل سنة، حاملاً معه صدى واحد من أهم المنعطفات في التاريخ المغربي المعاصر. فهو ليس مجرّد ذكرى سياسية، بل رمز لاسترجاع الكرامة الوطنية بعد عقود من الحماية، ولعودتهَا الفعلية مع خطاب الملك الراحل محمد الخامس في 18 نونبر 1955، الذي أعلن فيه نهاية زمن الاستعمار وبداية عهد بناء الدولة الحديثة. ورغم مرور ما يقارب سبعة عقود على ذلك الحدث، إلا أن هذا العيد يكتسب اليوم بُعدًا مضاعفًا، بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي تشهدها البلاد وعودة الروح الوطنية بزخم جديد.

  • رحلة الاستقلال: من ذاكرة المقاومة إلى بناء الدولة

يمثل عيد الاستقلال أكثر من مجرد حدث تاريخي؛ فهو تجسيد لملحمة وطنية شارك فيها الشعب والملوك والحركة الوطنية على حد سواء. فمنذ فرض الحماية سنة 1912، ظل المغاربة يخوضون معركةً طويلةً لاستعادة سيادتهم، سواء عبر المقاومة المسلحة في الجبال ، الارياف ، الصحراء و المدن ، أو عبر العمل السياسي للحركة الوطنية، وصولاً إلى لحظة الحسم سنة 1955 حين عاد الملك محمد الخامس من المنفى، وفي كلمته الخالدة قال: “لقد رجعنا من أجل أن نستأنف الجهاد الأكبر.”
هذه العبارة وحدها كفيلة بأن تلخص عمق المرحلة: فالاستقلال لم يكن خط النهاية، بل نقطة الانطلاق لبناء الدولة واستكمال وحدتها الترابية.

  • عيد الاستقلال في 2025: احتفال بذاكرة الماضي وتعزيز شرعية الحاضر

يأتي عيد الاستقلال هذا العام في ظرفية خاصة، إذ يعيش المغرب منذ أسابيع على وقع نشوة وطنية كبيرة عقب القرار الأممي الصادر في 31 أكتوبر، والذي دعم خطة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وذي مصداقية للنزاع المفتعل الإقليمي حول الصحراء. وقد اعتُبر القرار انتصارًا دبلوماسيًا مهمًا يعزز التوجه المغربي ويقوي موقع الرباط دوليًا، ما خلق موجة من الفخر الشعبي ظهرت في شكل احتفالات وتجمعات عفوية في مختلف المدن و القرى .
هذا المناخ الاحتفالي تعزّز بإعلان الملك محمد السادس نصره الله وأيده جعل يوم 31 أكتوبر يومًا وطنيًا جديدًا تحت اسم “عيد الوحدة”، في خطوة ذات رمزية عميقة. فكما كان 18 نونبر لحظة استرجاع السيادة من الاستعمار، أراد العاهل المغربي أن يكون 31 أكتوبر رمزًا لمرحلة استكمال الوحدة الترابية وترسيخها على مستوى الشرعية الدولية.

  • المسيرة الخضراء: خمسون سنة من رمزية سلمية متجددة

لا يمكن قراءة عيد الاستقلال هذا العام دون استحضار الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء التي احتفل بها المغاربة قبل أيام. فهذه المسيرة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت معجزة وطنية شارك فيها 350 ألف مغربي، واسترجع بها المغرب أقاليمه الجنوبية بطريقة سلمية غير مسبوقة في تاريخ النزاعات.
إن تقاطع هذه الذكرى مع القرار الأممي وإنشاء عيد الوحدة يخلق سياقًا تاريخيًا نادرًا يربط الماضي بالحاضر، ويمنح المغاربة إحساسًا بأن مسار الوحدة لم يعد مجرد حلم أو مشروع، بل إنه حقيقة .

  • قراءة تحليلية: ما الذي يعنيه عيد الاستقلال اليوم؟
  1. من الاستقلال السياسي إلى تثبيت الوحدة الترابية

قبل عقود، كان المغاربة يناضلون ضد الاستعمار لاستعادة دولتهم. اليوم، يناضلون دبلوماسيًا واقتصاديًا من أجل استكمال وحدتهم وبناء نموذج تنموي قوي، وخاصة في الأقاليم الجنوبية التي أصبحت تستقبل استثمارات بنيوية كبرى ومشاريع لوجستية استراتيجية.

  1. تعزيز الهوية الوطنية في زمن المتغيرات

يبدو أن الاحتفالات الأخيرة أعادت طرح سؤال الهوية المشتركة. فالاستقلال لم يعد مجرد ذكرى المدرّس والكتاب المدرسي، بل حدث يُعاد إحياؤه في الوعي الجمعي كلما حقق المغرب مكسبًا جديدًا. فالوحدة اليوم كما الاستقلال بالأمس معركة وجودية تتطلب تماسكًا داخليًا وتضامنًا بين مختلف مكونات المجتمع.

  1. الانتصار الدبلوماسي ليس نهاية الطريق

رغم أهمية القرار الأممي، إلا أنه لا يمثل الحل النهائي للنزاع، بل هو خطوة نوعية تحتاج إلى استثمار سياسي وتنموي وحقوقي مستدام. فالتحدي الحقيقي هو تحويل الاعتراف الدولي إلى واقع تنموي شامل يشعر به سكان الصحراء ويعزز انخراطهم في المسار الوطني.

  1. توظيف الذاكرة الوطنية لبناء المستقبل

المناسبات الوطنية ليست للتذكير بالماضي فقط، بل هي وسيلة لبناء وعي جماعي قادر على مواجهة تحديات العصر: الاقتصاد، التعليم، التحول الرقمي، التنمية البشرية، وقوة المؤسسات.
إن الاحتفال اليوم يجب أن يُترجم إلى تجديد الالتزام بقيم الاستقلال: الحرية، الوحدة، المسؤولية، والعدالة.

  • خاتمة: عيد الاستقلال… جسر بين الأمس والغد

يأتي عيد الاستقلال هذا العام ليس كمجرد وقفة تاريخية، بل كحدث يعيد ترتيب مشاعر المغاربة، ويضعهم أمام مرحلة جديدة من مسارهم الوطني. فبين ذاكرة التحرر من الاستعمار ونشوة الإنجاز الدبلوماسي الأخير، يجد المغاربة أنفسهم أمام صفحة جديدة من تاريخ البلاد، صفحة تجمع بين ماضي المجد وحاضر التمكين ومستقبل الوحدة.
ومهما تعددت السياقات، يبقى 18 نونبر يومًا لصيانة الذاكرة وتحصين الوعي الوطني، وفتح آفاق جديدة نحو مغربٍ واثقٍ من نفسه، قويٍّ بمؤسساتِه، ومتماسكٍ بوحدة شعبه.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً