بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
في زمن تزداد فيه التحديات المرتبطة بالهجرة، وتشتد فيها النزعات الانعزالية في العديد من مناطق العالم، تبرز المملكة المغربية كفاعل إقليمي ودولي ينهج سياسة إنسانية، متماسكة واستباقية في تدبير قضايا الهجرة. هذه المقاربة المتقدمة استعرضها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، خلال مشاركته في الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى حول الهجرة، يوم 22 شتنبر 2025 المنعقد بنيويورك على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
- رؤية ملكية واضحة وشاملة
تستمد السياسة المغربية الجديدة في مجال الهجرة قوتها من التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة. هذه الرؤية لا تنبع فقط من موقع المغرب الجغرافي كبلد منشأ وعبور واستقبال، بل أيضًا من إيمان عميق بضرورة تبني مقاربة شاملة، تضامنية ومتعددة الأطراف، تعلي من كرامة المهاجر وتربط بين التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية.
- من المبادرات إلى المؤسسات: خطوات ملموسة
أشار الوزير بوريطة إلى حزمة من الإنجازات التي تعزز مكانة المغرب كنموذج يحتذى به، وعلى رأسها:
-الأجندة الإفريقية للهجرة: التي صادق عليها الاتحاد الإفريقي كمرجعية قارية.
-المرصد الإفريقي للهجرة في الرباط: مؤسسة قائمة على البحث والمعطيات الموثوقة، ما يرسّخ ثقافة السياسات المبنية على الأدلة.
-الالتزام بالميثاق العالمي للهجرة: الذي تم اعتماده في مراكش عام 2018، ويعد من أبرز الإطارات الدولية في هذا المجال.
-شراكة متقدمة مع المنظمة الدولية للهجرة: امتدت لأكثر من عقدين، تجسد انسجام المغرب مع شركائه الدوليين.
- المغرب وشراكاته الثنائية: نموذج المغرب-إسبانيا
من خلال شراكته الناجحة مع إسبانيا، يقدم المغرب نموذجًا واقعيًا لشراكات إقليمية ناجعة، قائمة على المسؤولية المشتركة والبراغماتية. وهو بذلك يتجاوز الخطابات النظرية، ليطرح حلولًا واقعية قابلة للتطبيق، لا سيما في ما يتعلق بالتصدي لشبكات الاتجار بالبشر، وضمان كرامة المهاجرين، وتعزيز التنمية المشتركة في مناطق العبور.
- تحديات عالمية ومفارقات حقيقية
بكثير من الواقعية، أشار بوريطة إلى ثلاث مفارقات تؤطر المشهد الدولي للهجرة:
- تسييس الهجرة مقابل إسهامات المهاجرين: في حين يتم اختزال المهاجرين في خطاب شعبوي ضيق، فإنهم يشكلون قوة اقتصادية واجتماعية حيوية في الدول المستقبلة.
- تعدد الأطراف مقابل ضعف الموارد: تتعدد الأطر الدولية، ولكنها تظل محدودة في وسائلها وقدرتها على إحداث التغيير الفعلي.
- الإجراءات الشكلية مقابل الحكامة الحقيقية: هناك خطر من أن تتحول المراجعات الدولية إلى تمارين إدارية شكلية، دون أن تلامس جوهر الإشكالات المطروحة.
- دعوة إلى حكامة إنسانية شاملة
في ختام مداخلته، شدد الوزير المغربي على ضرورة إرساء حكامة هجرة أكثر مصداقية وفعالية، تقوم على تعزيز المعرفة، وتبادل التجارب الناجحة، وتعبئة الموارد، بما يجعل من الهجرة رافعة للتنمية، لا مصدرًا للأزمات.
- نحو نموذج مغربي متكامل
السياسة المغربية في مجال الهجرة لم تعد مجرد رد فعل على ضغوط ظرفية، بل تحولت إلى سياسة عمومية قائمة بذاتها، تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان، وتتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة. إنها رؤية تؤمن بأن المهاجر ليس عبئًا، بل فرصة؛ وبأن التنقل البشري، حين يُحكم تدبيره، يمكن أن يكون رافعة للتعاون والتضامن الإنساني.
في عالم يعاني من التشرذم والانغلاق، يقدم المغرب بفضل سياسته الجديدة في الهجرة، نموذجًا ناضجًا يستحق التقدير والاقتداء، سواء على الصعيد الإفريقي أو الدولي.