بقلم: أحمد بومهرود
باحث في الإعلام والصناعة الثقافية
في زمنٍ أصبحت فيه الكلمةُ تُشترى وتُباع، والموقفُ يُقاس بما يُدفع مقابله من أجنداتٍ ومصالح، تطلّ علينا بين الحين والآخر أصواتٌ شاذّة تتحدث باسم “الحرية” و”الحقوق”، بينما هي في حقيقتها صدىً لأوامرٍ خارجيةٍ مموّلة، لا هدف لها سوى الإساءة إلى صورة الوطن والنيل من تماسكه الداخلي.
وقد برز هذا المشهد مؤخرًا من خلال ما تشهده الساحة الوطنية من خرجاتٍ محتشمةٍ لبعض العناصر المأجورة، المرتبطة بالنظام العسكري الجزائري، التي تحاول في بعض المدن والمناطق المغربية افتعال مشاهد مصطنعة لإرضاء الجهات التي تمولها، في محاولاتٍ يائسة لتسويق أوهامٍ انفصالية لا تجد صدى داخل المجتمع المغربي.
ليست الإشكالية في الاختلاف أو في التعبير عن الرأي، فذلك من صميم الممارسة السياسية السليمة، بل في أن يتحول الخلاف إلى خيانةٍ، وأن تُستغل حرية التعبير لترويج مواقف مدفوعة الأجر، تُنفَّذ وفق أجندات أنظمةٍ فاشلةٍ لم تجد ما تُصدّره سوى الأزمات.
نرى من حينٍ لآخر وجوهًا تُقدَّم إعلاميًا على أنها “نشطاء” ، “طلبة”أو إعلاميين هي أدواتٌ تُستعمل من طرف النظام الجزائري لحضور لقاءات وندواتٍ خارج البلاد، تُوجَّه فيها خطاباتٌ معادية للمغرب، في مقابل تمويلٍ ودعمٍ معلوم المصدر. إنها ممارسات لا تمت للنضال بصلة، بل تعبّر عن تجارةٍ رخيصةٍ بالشرف والهوية.
ما يجري ليس سوى محاولةٍ مكشوفةٍ لتحويل الفضاء العام المغربي إلى مسرحٍ للمزايدة على حساب وحدة الوطن. غير أن هذه المحاولات تظلّ محدودة التأثير، لأن الوعي الجماعي للمغاربة أقوى من أن تُخترق نسيجه الوطني بهذه الأساليب البالية.
لقد أثبت المغرب، رغم كل الاستفزازات، تمسّكه بمبدأ حرية التعبير، إيمانًا منه بأن قوة الدولة تُبنى بالحوار لا بالقمع، وبالوعي لا بالشعارات. غير أن هذه الحرية نفسها تصبح خطًا أحمر حين تتحوّل إلى أداةٍ بيد خصوم الوطن للنيل من سيادته أو وحدته الترابية، وعندها يصبح الدفاع عن الوطن واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا لا يقبل الحياد.
إن ما لا يدركه المأجورون أن الوطن ليس مشروعًا مؤقتًا ولا سلعةً تُشترى وتُباع، بل هو انتماءٌ راسخ وهويةٌ جامعة وذاكرةٌ مشتركة. وقد راهن خصوم المغرب، وفي مقدّمتهم النظام الجزائري، على مثل هذه الأصوات المأجورة لتقويض وحدة البلاد، لكنهم فشلوا لأنهم تجاهلوا حقيقة أن الانتماء الصادق لا يُشترى بالمال، وأن المغاربة، حين يتعلق الأمر بوطنهم، يقفون صفًا واحدًا في وجه كل محاولات التشويش أو الاستفزاز.
الوطن لا تهزّه الأصوات النشاز، ولا يضيره نباح من باع ضميره في أسواق السياسة الإقليمية. فالمغرب يزداد قوةً وإشراقًا بوعي أبنائه، وبوفائهم، وبإيمانهم الراسخ بأن الوطن لا يُباع ولا يُشترى.
