النجوم المحليون في ظل الاحتراف الأوروبي: معادلة التوازن الصعب في كأس إفريقيا بالمغرب

أكادير الرياضي

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

تأتي استضافة المغرب لكأس إفريقيا للأمم في سياق كروي خاص، تتقاطع فيه طموحات التتويج مع أسئلة عميقة حول هوية الكرة الإفريقية ومستقبلها. ومن بين أبرز القضايا التي تفرض نفسها بقوة خلال هذه التظاهرة القارية، يبرز موضوع مكانة النجوم المحليين في ظل الهيمنة المتزايدة للاحتراف الأوروبي داخل المنتخبات الوطنية، وهي معادلة دقيقة تجمع بين المكسب الفني والتحدي البنيوي.
لقد أصبحت المنتخبات الإفريقية، خصوصًا في العقدين الأخيرين، تعتمد بشكل شبه كلي على لاعبين ينشطون في الدوريات الأوروبية، سواء في المستويات الكبرى أو المتوسطة. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة طبيعية لتطور منظومة الاستقطاب الأوروبية، وضعف البنية الاحترافية في عدد من البطولات المحلية، إضافة إلى إغراءات التكوين المتقدم والاستقرار المالي والاحتكاك العالي المستوى.
من الناحية التقنية، لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للمحترفين في أوروبا على أداء المنتخبات. فاللاعب الذي يتكون في مدارس تكتيكية صارمة، ويخوض منافسات أسبوعية عالية الإيقاع، يعود إلى المنتخب أكثر نضجًا وانضباطًا وقدرة على التعامل مع ضغط البطولات الكبرى. وقد تجلى ذلك بوضوح في تجارب عديدة، أبرزها إنجاز المنتخب المغربي في كأس العالم، حيث شكل اللاعبون المحترفون العمود الفقري لفريق منظم، واقعي، وفعّال.
غير أن هذا الواقع، على إيجابيته، أفرز إشكالًا آخر لا يقل أهمية: تراجع حضور اللاعب المحلي في المنتخبات الأولى، ليس بسبب ضعف الموهبة، بل نتيجة اختلال ميزان الثقة والفرص. فاللاعب المحلي غالبًا ما يُنظر إليه كخيار ثانوي، أو حل اضطراري، في حين يُمنح المحترف الأوروبي الأفضلية المسبقة، حتى وإن كان احتياطيًا في ناديه. هذا الوضع يؤثر نفسيًا وفنيًا على اللاعب المحلي، ويضعف من جاذبية البطولات الوطنية وقدرتها على إنتاج نجوم مؤثرين.
وفي هذا السياق، تكتسب البطولات المخصصة للاعبين المحليين، مثل كأس إفريقيا للاعبين المحليين (CHAN)، أهمية خاصة. فهي لا تبرز فقط الإمكانيات الحقيقية للاعب المحلي، بل تكشف أيضًا أن المشكلة ليست في الجودة، بل في غياب الاستمرارية والاندماج داخل المشروع الكروي الشامل. وقد أثبتت تجارب بعض المنتخبات، وعلى رأسها المغرب، أن الاستثمار في الدوري المحلي والتكوين القاعدي قادر على خلق قاعدة تنافسية حقيقية، سواء على المستوى القاري أو الدولي.
إن التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في المفاضلة بين المحلي والمحترف، بل في بناء جسر توازن بين الاثنين. فالدوريات المحلية القوية لا تتناقض مع الاحتراف الخارجي، بل تشكل رافدًا له. وكلما كان اللاعب المحلي نتاج منظومة احترافية حقيقية داخل بلده، انتقل إلى أوروبا أكثر جاهزية، وعاد إلى المنتخب أكثر تأثيرًا.
وفي ظل احتضان المغرب لكأس إفريقيا للأمم، تبرز فرصة حقيقية لإعادة طرح هذا النقاش بعمق ومسؤولية. فالنجاح التنظيمي وحده لا يكفي، بل يجب أن يُواكب برؤية كروية إفريقية شاملة، تعيد الاعتبار للاعب المحلي، وتمنحه مكانته الطبيعية ضمن مشروع تنافسي متوازن، لا يلغي الاحتراف الأوروبي، بل يوظفه لخدمة الكرة الوطنية والقارية.
خلاصة القول، إن مستقبل الكرة الإفريقية لن يُبنى بالاعتماد المطلق على الخارج، ولا بالانغلاق على المحلي، بل بصيغة ذكية تُحوّل الاحتراف الأوروبي من هيمنة، إلى قيمة مضافة، ومن تهديد للهوية، إلى امتداد طبيعي لها.

التعاليق (0)

اترك تعليقاً