المغرب يرسم المستقبل… وآخرون يطاردون السراب.أو حينما يتحول التقليد إلى سياسة رسمية أخبار وطنية

المغرب يرسم المستقبل… وآخرون يطاردون السراب.أو حينما يتحول التقليد إلى سياسة رسمية

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

منذ أن أعلن المغرب، قبل أشهر، عن مبادرته الطموحة لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي عبر شبكة طرق عابرة للحدود، تغيّرت قواعد اللعبة الجيوسياسية والتنموية في غرب إفريقيا. لم يكن المشروع مجرد بنية تحتية عابرة، بل كان تعبيراً عن رؤية استراتيجية شاملة، تتأسس على منطق الربح المشترك، والشراكة جنوب-جنوب، وبناء فضاء اقتصادي إفريقي مترابط ومستقل.
ولأن الفعل الملموس يُحرج الخطاب الإنشائي، لم يتأخر الرد الجزائري كثيراً. الرئيس عبد المجيد تبون خرج بمقترح مماثل، هذه المرة في شكل سكك حديدية تربط الجزائر بمالي والنيجر وموريتانيا، مع وعد بفتح الموانئ الجزائرية لهذه الدول غير الساحلية. وللوهلة الأولى، قد يبدو الأمر منطقياً ومُرحباً به، لولا أن الخطاب الجزائري جاء عارياً من التفاصيل، خالياً من الأفق، ومحكوماً بمنطق رد الفعل أكثر مما هو مبني على تخطيط حقيقي.
وإذا كانت محاولات اللحاق بالمبادرات المغربية ليست جديدة، فإن ما يثير القلق (وربما الشفقة السياسية ) هو أن النظام الجزائري جعل من تقليد المغرب سياسة رسمية دائمة. فكل مبادرة مغربية ناجحة سرعان ما تجد نفسها أمام نسخة مشوهة أو مبتورة على الورق الجزائري. من النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية، إلى السياسة الإفريقية متعددة الأبعاد، إلى النهج الديني المعتدل، إلى حتى ملفات الثرات والثقافة والطبخ والزي، لا يترك النظام الجزائري فرصة دون أن يحاول نسبة الإنجاز المغربي إلى نفسه، أو على الأقل التشويش عليه.
لكن الحقيقة أن التقليد بلا فهم، وادعاء الابتكار بلا أسس، لا يصنعان الريادة. الجزائر لم تنجح حتى في إرساء شبكة لوجستية فعالة داخل ترابها الوطني، فهل من الواقعية أن تتحدث عن إيصال السلع إلى النيجر ومالي في ظرف 24 ساعة، بينما تعاني من بطء كبير في حركة البضائع بين ولاياتها؟ المفارقة هنا ليست تقنية فحسب، بل سياسية وهيكلية أيضاً.
المغرب من جهته لم يثرثر كثيراً، بل اشتغل بصمت وهدوء. التقى مع الشركاء، ورسم الخطوط، وفتح حواراً عملياً مع دول الساحل، وقدم ضمانات تمويل واستثمار، منسجمة مع خبرة طويلة راكمها في إفريقيا، ليس فقط كمستثمر، بل كفاعل موثوق له رصيد سياسي واقتصادي وديبلوماسي.
الفرق الجوهري أن المغرب يخطط وينفذ، بينما الجزائر تراقب وتحاكي. المغرب يصنع المبادرة، بينما الجزائر تسوق الوهم. والمفارقة الكبرى أن الإعلام الرسمي الجزائري ( ومعه “جيش” من الأبواق ) يسارع إلى تضخيم أي تصريح أو فكرة، حتى قبل أن تُترجم إلى واقع، فقط لإيهام الداخل الجزائري بأنهم سبقوا الجميع.
لكن إفريقيا اليوم تغيّرت. لم تعد تقنعها الشعارات ولا تغريها الوعود الفضفاضة. القارة السمراء تميز اليوم بين من يزرع في ترابها، ويشيد بنياتها، ويحترم ذكاء شعوبها، وبين من يطرق بابها كل مرة بخطاب جديد، دون أن يترك أثراً ملموساً.
الوعي الإفريقي ينضج، والتنافس على إفريقيا اليوم ليس في من يرفع الشعارات الأكبر، بل في من يقدم الأثر الأعمق.
لقد ولّى زمن المشاريع القائمة على الأوهام، والمجتمع الإفريقي اليوم أذكى من أن تنطلي عليه العبارات الرنانة. إفريقيا لا تحتاج إلى خطابات، بل إلى من يضع يده على الأرض، ويصنع الفارق بالفعل، لا بردود الفعل.
إنها ليست فقط مشاريع، إنها أحلام تتحقق… بينما آخرون لا يزالون يطاردون السراب.
اللهم كثر حسادنا

التعاليق (0)

اترك تعليقاً