بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
تعيش القارة الإفريقية، ومعها المملكة المغربية، على إيقاع حدث رياضي استثنائي مع اقتراب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025، التي تحتضنها المغرب بمشاركة 24 منتخبًا من مختلف أنحاء القارة، في منافسة كروية تمتد من 21 دجنبر 2025 إلى 18 يناير 2026. حدث لا يختزل في كرة القدم فقط، بل يحمل أبعادًا أعمق تتجاوز المستطيل الأخضر.
- المغرب… مضيف برؤية استراتيجية لا ظرفية
لم يكن اختيار المغرب لتنظيم كأس إفريقيا للأمم قرارًا عابرًا أو حلًا اضطراريًا، بل جاء نتيجة مسار طويل من التخطيط والاستثمار في الرياضة كأداة استراتيجية. فقرار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إسناد التنظيم للمغرب بالإجماع يعكس مستوى الثقة الكبير في قدرة المملكة على إنجاح تظاهرة قارية بهذا الحجم.
هذا الاختيار لم يكن قائمًا فقط على الجاهزية التقنية، بل على سجل تنظيمي غني وتجربة متراكمة جعلت المغرب مرجعًا قارّيًا في إدارة البطولات الكبرى، وهو ما جعل منه الخيار الأوضح دون الحاجة إلى بدائل.
- تنظيم رياضي برؤية تتجاوز المستطيل الأخضر
استضافة كأس إفريقيا للأمم تندرج ضمن تصور مغربي أشمل يجعل من الرياضة رافعة للتنمية ووسيلة لتعزيز الحضور القاري والدولي. فالمغرب ينظر إلى هذه البطولة كجزء من مشروع متكامل يهدف إلى ترسيخ مكانته كشريك إفريقي موثوق، ومركز إقليمي للتظاهرات الكبرى.
هذا التوجه ينسجم مع رؤية استراتيجية تعتبر الرياضة عنصرًا من عناصر القوة الناعمة، وأداة لتعزيز التقارب بين الشعوب الإفريقية، ودعم التعاون جنوب–جنوب، في سياق انخراط المملكة المتزايد داخل القارة.
- بنية تحتية بمعايير عالمية وجاهزية ميدانية
من أبرز عوامل قوة الملف المغربي، توفر بنية تحتية رياضية ولوجستية متقدمة. فقد شهدت عدة مدن مغربية كبرى عمليات تحديث شاملة للملاعب، شملت الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش وأكادير، لتكون مطابقة لأعلى المعايير الدولية.
كما تم إعداد شبكة متكاملة من ملاعب التدريب ومرافق الإقامة والتنقل، بما يضمن ظروفًا مثالية للمنتخبات المشاركة والجماهير، ويعكس خبرة تنظيمية راكمها المغرب من خلال استضافته لبطولات قارية وعالمية سابقة.
- مكاسب اقتصادية واجتماعية متعددة الأبعاد
لا يقتصر أثر تنظيم كأس إفريقيا على الجانب الرياضي فقط، بل يمتد ليشمل الاقتصاد الوطني. فالحدث يشكل فرصة حقيقية لتنشيط قطاعات السياحة، الفندقة، النقل، والخدمات، إضافة إلى خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة.
كما يساهم الحضور الجماهيري الواسع، والتغطية الإعلامية الدولية، في تعزيز صورة المغرب كوجهة آمنة ومنفتحة وقادرة على احتضان التظاهرات الكبرى، بما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتبادل الاقتصادي.
اجتماعيًا، تمثل كرة القدم في المغرب عامل وحدة وطنية، حيث يتحول الحدث إلى مناسبة للاحتفال الجماعي وتعزيز الروابط بين مختلف فئات المجتمع، في صورة تعكس العمق الشعبي للرياضة داخل المملكة.
- المغرب والرهان على الهوية الإفريقية المشتركة
استضافة كأس إفريقيا للأمم تحمل أيضًا بعدًا رمزيًا قويًا، فهي مساهمة مباشرة في تعزيز الشعور بالانتماء الإفريقي المشترك. فالمغرب، من خلال هذا الحدث، يؤكد موقعه كفاعل محوري داخل القارة، ليس فقط اقتصاديًا أو سياسيًا، بل ثقافيًا وإنسانيًا أيضًا.
الرياضة هنا تصبح لغة جامعة، وجسرًا للتواصل بين الشعوب، ومنصة لتعزيز التقارب والتفاهم داخل فضاء إفريقي متنوع.
- خلاصة: تنظيم يعكس رؤية وإنجازًا
في المحصلة، لم يكن اختيار المغرب لتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 محض صدفة، بل تتويجًا لرؤية استراتيجية واضحة، واستثمار طويل الأمد في البنية التحتية، والموارد البشرية، والدبلوماسية الرياضية. إنه حدث يجمع بين التنظيم المحكم والطموح القاري، ويعزز مكانة المملكة كقوة تنظيمية وفاعلة داخل إفريقيا.
بطولة 2025 ليست فقط موعدًا كرويًا، بل محطة جديدة في مسار مغربي يسعى إلى الجمع بين الرياضة والتنمية، وبين الهوية الوطنية والانتماء الإفريقي، في نموذج يراهن على المستقبل بثقة.


التعاليق (0)