بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
الأقاليم الجنوبية.. تجربة مغربية تُعيد تعريف التنمية في إفريقيا
في زمنٍ تتسابق فيه الدول الإفريقية نحو بناء نماذج تنموية مستقلة ومستدامة، يبرز المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده، كنموذجٍ فريدٍ يجمع بين الحكمة السياسية والرؤية الاقتصادية العميقة والالتزام الإفريقي الأصيل.
ويؤكد عدد من المفكرين والباحثين في القارة أن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية أصبحت اليوم قصة نجاح مُلهِمة تعبّر عن إرادة ملكية صلبة ورؤية استراتيجية تستشرف المستقبل.
– رؤية ملكية متبصّرة تُلهم القارة
يرى الباحث السنغالي باكاري سامبي، رئيس معهد تمبكتو لدراسات السلام، أن التحولات التنموية الكبرى التي تعرفها الأقاليم الجنوبية هي ثمرة الرؤية المتبصّرة لجلالة الملك محمد السادس.
فمنذ اعتلائه العرش، جعل جلالته من الجهوية المتقدمة خيارًا استراتيجيًا لتجسيد العدالة المجالية وتحقيق التنمية المتوازنة، عبر إشراك المواطن في صياغة مستقبل جهته ومحيطه.
ويضيف سامبي أن جهة العيون الساقية الحمراء تجسد هذه الرؤية بأوضح صورها، حيث تحولت من مركز رمزي للتاريخ والمقاومة إلى قطب اقتصادي متطور يحتضن مشاريع كبرى في مجالات البنية التحتية والطاقة والفلاحة والخدمات اللوجستية.
– مشاريع مهيكلة ترسم ملامح المستقبل
تحولت المشاريع الملكية الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي ومشروعات الطاقات المتجددة والمناطق الصناعية والزراعية، إلى أعمدة للنموذج المغربي الجديد في التنمية المستدامة.
فهذه المشاريع لا تُعزّز فقط التنمية المحلية، بل تجعل من الأقاليم الجنوبية منصة استراتيجية تربط شمال القارة بجنوبها، وتدعم المبادرات القارية التي يقودها جلالة الملك، مثل مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب والمبادرة الأطلسية للتنمية المشتركة.
ويؤكد سامبي أن هذه المشاريع تُبرز إصرار المغرب على جعل الجنوب قاطرة تنموية تربط بين الشعوب الإفريقية عبر التنمية والتعاون، لا عبر الحدود الجغرافية.
– المغرب كقوة ربط إفريقية
في تحليله للعلاقات الإفريقية، يرى المحلل السنغالي أن المغرب أصبح اليوم قوة ربط (Bridging Power) داخل القارة، بفضل موقعه الجغرافي وعمقه التاريخي والثقافي الإفريقي.
فالأقاليم الجنوبية، بموقعها الأطلسي المتميز، تمثل محوراً استراتيجياً يربط الفضاء المغاربي بإفريقيا جنوب الصحراء، وتفتح أمام القارة آفاقاً جديدة للتكامل في مجالات الطاقة والتجارة والبحث العلمي.
– الرباط دكار.. نموذج الأخوّة الإفريقية
العلاقات المغربية السنغالية تُعدّ، في نظر سامبي، نموذجاً حيّاً للأخوة الإفريقية الصادقة.
فالعلاقات بين الشعبين تمتد لقرون من التبادل الثقافي والديني، وقد تعززت أكثر في عهد الملك محمد السادس والرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، لتصبح شراكة متجددة قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون التنموي.
ويرى سامبي أن محور الرباط–دكار يشكّل أحد أعمدة الاستقرار في غرب إفريقيا، وتجسيدًا عمليًا لفكرة أن التنمية الإفريقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالتضامن بين دول القارة.
– نحو إفريقيا جديدة بثقة وطموح
تجربة الأقاليم الجنوبية المغربية، في نظر الباحثين الأفارقة، لا تمثل مجرد نجاح تنموي محلي، بل تحولًا في التفكير الإفريقي نحو نموذج عملي يعتمد على الاستثمار في الإنسان والموارد المحلية والتخطيط طويل المدى.
فمن خلال هذه التجربة، يقدّم المغرب للعالم نموذجاً إفريقياً ذاتياً يبرهن أن التنمية الحقيقية تبدأ من الإرادة السياسية والرؤية الواضحة.
– خلاصة القول
يُجمع المراقبون الأفارقة على أن حكمة الملك محمد السادس تمثل اليوم نبراساً إفريقياً يهدي القارة نحو نموذج تنموي أصيل ومستدام.
ومن خلال الأقاليم الجنوبية، يثبت المغرب أن الحدود يمكن أن تتحول إلى جسور، والمناطق البعيدة إلى مراكز إشعاعٍ تنمويٍ واقتصاديٍ.
إنها رؤية ملكٍ حكيمٍ جعل من التنمية أداة للوحدة، ومن إفريقيا فضاءً للأمل والطموح، ومن المغرب قدوة تحتذي بها الشعوب الباحثة عن مستقبل أفضل.
– كلمة أخيرة
في عيون الأفارقة، لا يُنظر إلى جلالة الملك محمد السادس كقائد سياسي فحسب، بل كـ رمز للحكمة والإخلاص الإفريقي.
فهو الملك الذي آمن بإفريقيا حين تردّد الآخرون، وفتح أبواب التعاون والتضامن حين انغلق كثيرون خلف الحدود والمصالح الضيقة.
لقد جعل من العمل الميداني والإنصات للشعوب أسلوباً في القيادة، ومن التنمية والعدالة الاجتماعية رسالةً إنسانية تتجاوز حدود المملكة لتصل إلى عمق القارة.
ولذلك، فإن كثيراً من القادة والمفكرين في إفريقيا يرون فيه قدوة القائد المتبصّر الذي يزرع الأمل في شعوب القارة، ويمضي بخطوات واثقة نحو بناء إفريقيا جديدة، قوية بذاتها، ومتصالحة مع تاريخها ومستقبلها.
إنه ملك جمع بين الحنكة والرؤية، بين الثبات والطموح، فكان بحقّ قلب إفريقيا النابض بالحكمة والإنسانية.


التعاليق (0)