مدينة مراكش هي واجهة السياحة في المملكة المغربية. فحين نتحدث عن السياحة في تركيا نستحضر تلقائيا إسطنبول، وحين نذكر فرنسا نرمز إلى باريس…البلدان الرائدة في السياحة، تجدها معروفة في السوق الدولية بمدينة تكون هي رمز السياحة وعلامتها التجارية. ومراكش هي العلامة التجارية لبلدنا في السوق السياحية الدولية. لذلك كل مظهر يؤثر سلبا على السياح في مراكش، تكون له آثار كبيرة تفوق ما قد يقع في باقي المدن السياحية. ومعضلة “الكارديانات” تطرح إشكالا كبيرا أمام طموح المغرب السياحية.
ما إن تبدأ في ركن سيارتك، يقف عليك شخص مجهول لا تعرفه ولا معرفة لك به. لكنه يشرع في الحديث معك وكأنك تقف في ضيعته الخاصة، أوفي مكان هو من يسيره وليس مكانا عموميا.
“الكارديان” في مراكش هو من يفرض عليك أين تركن سيارتك، بل يفرض عليك ركنها ملتصقة مع السيارة التي بجانبك. وحين يريد صاحب السيارة الأخرى فتح باب سيارته، يكون مضطرا لخدش سيارتك، وهو ما لا يكترث إليه “الكارديان” بطبيعة الحال، لأنه يفرض قانونه الخاص. وفي حالات أخرى، يفرض عليك الاقتراب كثيرا من السيارة الأمامية، وحين تريد الخروج، فعليك القيام بحركات فرقة “سيدي حماد أوموسى” للخروج من “الباركينغ” إن جاز لنا تسمته كذلك.
“الكارديان” في مراكش، لا يقبل أن تخالفه الرأي، فهو يتحدث معك وكأنه يحمل شهادة ملكية الأرض التي تقف فوقها بسيارتك. وإذا أردت أن تركن سيارتك كما أردت، فتلك حكاية أخرى تجعلك تطلب السلامة.
“الكارديان” في مراكش يطلب الأداء بمجرد الوقوف، وليس بعد انتهاء الوقوف وخروجك من الباركينغ. أما تعرفة التذكرة، فتلك قصة لن تجدها في سلسة “هاري بوكير” ولا في نظرات المنفلوطي. يطلب منك الثمن الذي يريد، ولا حق لك في الاعتراض. ومن اعترض فعليه الاستعداد لمعركة تبدأ بالكلام وتنتهي لما لا يمكن أن يتصوره شخص يريد فقط ركن سيارته، وهو في جولة سياحية.
قد يقول قائل، هذه الممارسات موجودة في العديد من المدن السياحية، وليس في مراكش فقط. أقول نعم هذا صحيح…لكن مراكش لها خاصية فريدة لأنها هي عنوان السياحة في المغرب، وهي وجه السياحة في بلدنا. وهذا ما شرحته في مقدمة المقال.
هذه الجرأة الزائدة لدى “كارديانات” مراكش، وهذه الممارسات التي يقومون بها في واضحة النهار، وتحت أشعة الشمس، تجعلنا نتساءل: أين هي الجماعة الترابية؟ وأين هي السلطات المحلية؟
إن أفضل حل لمعضلة ركن السيارات هو آلات سحب تذاكر الوقوف، تُسيرها شركة خاصة لها تجربة في المجال، ومطالبة باحترام دفاتر التحملات. على الأقل يكون المرتفق يحاور شركة معلومة، معروفة ومسؤولة، وليس شخصا لا هوية له، ويتصرف بطريقة لا لون ولا طعم لها.
يكفي أن ننظر إلى ما هو موجود في المدن السياحية العالمية، لنعرف الحال الأمثل لمعضلة “الكارديانات” التي أصبحت تؤرق الجميع، وصارت حديث وسائل التواصل الاجتماعي بامتياز.
وإذا كان لا بد من الاستعانة ب “الكارديانات”، فعلى الأقل القيام باختيار أفضلهم وإخضاعهم لدورة تكوينية ليكونوا على بينة بطبيعة مهمتهم، وتزويدهم ببطاقات “هوية الكارديان” كما هو معمول به بخصوص المرشد السياحي. فكما لا يحق لأي كان ممارسة مهنة المرشد السياحي، لا يحق كذلك لأي كان ممارسة “الكارديان” وخاصة في الأماكن السياحية.
وإلى حين خروج المسؤولين في المجلس الجماعي، وهي الجهة المكلفة بتدبير هذا المجال، لمعرفة كارثة ما يقوم به “الكارديانات”، أو تدخل السلطات المحلية، سنبقى إلى جانب 17 مليون سائح الذين زاروا بلادنا في ظرف سنة، تحت قانون “الكارديانات”. أو ننتظر مؤثرا أجنبيا ينبه مسؤولينا لخطورة الأمر من خلال شريط ينتشر في الأركان الأربعة للعالم، كما وقع لسيارة أجرة أقلت مؤثرا انجليزيا من مطار المنارة إلى وسط المدينة، ولم تتحرك الجهات المعنية إلى بعد انتشار شريط المؤثر وبلوغه ملايين المشاهدات.
سعيد الغماز-كاتب وباحث
