بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
يبدو أن الصراع بين المغرب والجزائر تجاوز حدود السياسة والحدود الجغرافية، ليصل أخيرًا إلى خزانة الملابس الرسمية. فقد ظهرت سفيرة الجزائر في بلغاريا أثناء تقديم أوراق اعتمادها وهي ترتدي قفطانًا مغربيًا أصيلًا، في مشهد ترك المراقبين بين الدهشة والضحك، وبين التساؤل والتهكم:
هل أعجبت السفيرة بالذوق المغربي؟ أم أنها لم تجد في اللباس الجزائري ما يليق بالمقام الدبلوماسي؟
ففي الوقت الذي يخوض فيه المغرب معركة ثقافية حقيقية للدفاع عن القفطان المغربي في أروقة اليونسكو ضد محاولات الجزائر نسبه إلى تراثها، تأتي هذه الحادثة لتضيف لمسة من “الكوميديا السوداء” إلى الملف.
فالسفيرة، التي تمثل بلدها رسميًا، لم تجد أفضل من لباس مغربي لتبدو أنيقة أمام الكاميرات البلغارية ، وكأنها تقول ضمنيًا: “حتى وإن لم ننجح في تسجيل القفطان جزائريًا، يمكننا على الأقل ارتداؤه!”
- القفطان… عندما يصبح بيانًا دبلوماسيًا غير معلن
القفطان المغربي ليس مجرد ثوب، بل هو تاريخ وحرفة وهوية تمتد قرونًا في عمق الثقافة المغربية. ارتدته السلطانات والأميرات والنساء في المناسبات الملكية والشعبية على حد سواء، وصار اليوم رمزًا للأنوثة المغربية والأصالة الشرقية.
فأن تأتي سفيرة جزائرية وتختار هذا اللباس بالذات في مناسبة رسمية، فذلك ليس تفصيلًا بسيطًا — إنه رسالة مضمونة السخرية من كل النقاشات الدائرة حول من يملك الحق في هذا التراث.
قد يقول البعض إن الأمر مجرد ذوق شخصي، لكن في الدبلوماسية لا شيء بريء تمامًا، ولا حتى اختيار القماش!
فعندما تمثل دولة على أرض أجنبية، فإن كل تفصيل ( من الابتسامة إلى الألوان إلى نوع الثوب ) يحمل دلالة سياسية.
ولذلك، فإن ارتداء قفطان مغربي في مناسبة رسمية باسم الجزائر يمكن اعتباره أغرب إعلان حب غير معلن بين خصمين تقليديين.
- ربما لم ترضَ باللباس الجزائري؟
ربما الأمر أبسط مما نتخيله. ربما السفيرة فتحت خزانتها في صباح اليوم الرسمي، نظرت إلى الزي الجزائري، فشعرت أنه لا يليق بالمناسبة.
ربما أرادت أن تُظهر للعالم أناقةً وذوقًا لا يُضاهيان، فقالت في نفسها: “ولِمَ لا؟ القفطان المغربي لا يُخيب الظن!”
وهكذا، تحوّل الموقف من لحظة بروتوكولية إلى لحظة سخرية جماعية في الإعلام والمواقع الاجتماعية، حيث تساءل كثيرون:
هل تحب السفيرة المغرب سرًا؟ أم أن القفطان المغربي هو الذي يحبها؟
- دبلوماسية القفطان… حين تسبق الموضة السياسة
الملفت أن هذه الحادثة جاءت في وقت شديد الحساسية، حيث يخوض المغرب والجزائر حربًا باردة على مستوى التراث.
ففي حين تحاول الجزائر إدراج القفطان ضمن لائحتها في اليونسكو، يعمل المغرب على تقديم ملف قوي لإثبات أصالته وجذوره التاريخية التي تمتد إلى فاس ومراكش وتطوان.
لكن قبل أن تُفصل لجان التراث في المسألة، جاءت السفيرة الجزائرية لتفصل القفطان على مقاسها، وتنهي النقاش مؤقتًا على طريقتها الخاصة: بالعرض بدل القول!
- الهوية المستعارة
المفارقة الكبرى هنا أن الدبلوماسية تُفترض أن تكون مرآة لهوية الدولة، لكن في هذه الحالة تحولت السفيرة إلى مرآة لهوية بلد آخر.
والمشهد بدا وكأن الهوية الجزائرية استعارت ملامحها ليوم واحد من المغرب، تمامًا كما تفعل النساء في الأعراس حين يُستعار القفطان المغربي لإبهار الحضور.
الفرق الوحيد أن “العرس” هنا كان رسميًا جدًا، وأن “العريس” هذه المرة كان بلغاريا!
- بين الجد والسخرية
الحدث قد يبدو بسيطًا في الظاهر، لكنه في جوهره يعكس الخلط الثقافي والسياسي بين الجارتين.
فالمغرب يبني تراثه ويدافع عنه بالحجج التاريخية، بينما الجزائر تحاول أن تحجز لنفسها مقعدًا على مائدة التراث المغربي باسم “التقارب الثقافي”.
لكن عندما يصل الأمر إلى أن ترتدي سفيرة جزائرية القفطان المغربي رسميًا، فإننا أمام ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية القماش”: صمت ناعم، ورسالة لاذعة، ومفارقة لا يمكن تجاهلها.
- الخلاصة
قد تكون السفيرة أرادت فقط أن تبدو أنيقة، وربما أعجبت فعلًا بالقفطان المغربي، وربما أيضًا لم تجد في الزي الجزائري ما يرضي ذوقها.
لكن النتيجة واحدة: القفطان المغربي انتصر من جديد، ليس في اليونسكو، بل على المنصات الدبلوماسية نفسها.
وفي النهاية، قد نقول مازحين:
إذا كانت الجزائر تصر على “تبني” القفطان المغربي، فعلى الأقل فلنُشكرها على الترويج له مجانًا في الخارج!
أما المغرب، فيكفيه أن يرى سفيرة خصمه ترتدي تراثه، ليدرك أن الأناقة الحقيقية لا تُسرق… بل تُعترف بها رغمًا عن الجميع.
سفيرة جزائرية، قفطان مغربي، مناسبة بلغاريا…باختصار: العروسة غلطت في الدولة