الطريق إلى البرلمان بين الإنتهازية وغياب الضميرـ ٱقليم تارودانت نموذجا

a 222 كُتّاب وآراء

تارودانت أكبر إقليم بالمغرب، إقليم يضم نصف جماعات جهة سوس ماسة. أغلب الجماعات يعيش ساكنتها الفقر والإقصاء خصوصا القروية منها. الوضع الذي يعيشه هذا الإقليم يعود إلى غياب نخب قادرة على جعله يساير التطور الذي تعرفه باقي أقاليم المغرب. الرهان على شساعة الإقليم للظفر بالمقاعد بالمجالس المنتخبة المحلية منها والوطنية يجعل المتتبع للشأن العام يستغرب السلوكات التي يلجأ إليها جل مسؤولي الأحزاب السياسية وما في ذلك من تبخيس للعمل السياسي وغياب الضمير وعدم الحس بالمسؤولية. لا شك أن المغاربة يلمسون ذلك من حجم الأحدات التي ٱهتز لبعضها الرأي العام الوطني (مثال أستاذ تارودانت شاهد عى ذلك). على بعد أشهر قليلة من الإنتخابات يتابع الرأي العام المحلي وخصوصا بالدائرة الشمالية التي تضم دوائر أولاد برحيل،تالوين وإغرم كيف يستغل البعض سداجة الساكنة للوصول إلى مآربه. لن نخوض في معاناة هذا الإقليم مع حزبي التجمع الوطني للأحرار والإستقلال. فالملفات الرائجة في المحاكم والمؤامرة التي دخل فيها الحزبان لتصفية حساباتهما قد تكشف لأبناء تارودانت حجم الظلم الذي لحقهم خلال كل هذه السنوات. مسلسل الإنتقام والمؤامرات بدأ بتحريك حزب الإستقلال لملفات ضد غريمه الأحرار لكن الأخير لن يتوانى في الرد عبر النبش في خروقات المجلس الإقليمي الذي لم يسلم من ديكتاتورية الإستقلاليين لعدة سنوات. والمسلسل سيكون عنوانه التشويق في الأيام القادمة لا محالة…
هذان الحزبان عاملا ساكنة تارودانت كالقطيع لمدة سنوات قبل أن يظهر البام والبيجيدي على أمل أن يحدثا نوعا من التوازن بعدما ٱنقرض الإتحاد الإشتراكي وٱنسحب الإتحاد الدستوري في شخص أمينه العام الحالي الذي ٱتخذ من تارودانت الشمالية بوابة إلى البرلمان في حين يسير جماعة حضرية في حجم الدارالبيضاء تبعد عن الإقليم بمئات الكلومترات مما يحير كل خبراء العالم في مجال الإنتخابات كأن أرحام نساء تارودانت عقيمة على إنجاب من يمثلها لتستقدم شخصا من إقليم آخر. هذا الإستهتار بساكنة تارودانت الشمالية للأسف تتعامل به كل الأحزاب وبدون ٱستثناء. إذا كانت مقاعد الدائرة الجنوبية لن تعرف تغييرا كبيرا باستثناء صراع البام والبيجيدي على أحد مقاعد الإستقلال فإن الجميع يراهن على الدائرة الشمالية وهو مايفسر التكالب الذي نلمسه من تحركات البام والبيجيدي أمام ٱنشغال الآخرين بمشاكلهم الداخلية. من جهة حزب البام ألف إنزال مرشحه بالمظلة وفرض أشخاص لا علاقة لهم بالشأن المحلي بهذه الدائرة. فلا نستغرب أن نرى مرشح البام وصاحب عبارة “الشلح مول الزريعة” يكتشف على بعد أسابيع من الإنتخابات وبعد ولاية تشريعية كاملة أن ساكنة ولاد برحيل في حاجة إلى مدارس لأطفالها. لا نستغرب كذلك أن يجتمع النائب المحترم برؤساء الجماعات بتالوين رغم نعته لهم بكائنات ٱنتخابية تسبب الإختناق لحزبه في حملة هدفها ٱبتزاز الحزب وضمان موطئ قدم في مركز القرار الحزبي. أما حزب العدالة والتنمية الذي يختار مرشحيه بطريقة “ديموقراطية” فمسؤولو الحزب محليا إختاروا طريقا آخر لفرض من شاءوا عبر التلاعب بالديموقراطية التي تشكل أغلى ما يملكه الحزب في نوع من الإستهزاء بكل مناضليه قبل الإستهزاء بالساكنة. أي ديموقراطية هذه يغيب عنها تكافؤ الفرص والمساواة. المتتبع لأنشطة الحزب بتارودانت يرى كيف يتم التركيز فيها على جماعات معينة قصد تقديم من هم في مركز القرار أمام مناضلي الحزب والترويج لهم أمام وزراء الحزب في ضرب فاضح لمبدإ تكافؤ الفرص وٱستغلال فظيع للمواقع من أجل مصالح شخصية. أن يروج النائب البرلماني ومن يدور في فلكه لشخص المدير الإقليمي عبر مواقع التواصل يعتبر قمة الإنتهازية. هذه الإنتهازية المفرطة التي تسعى إلى جعل مناضلي الحزب مجرد قطيع قد يكون لها مابعدها داخل حزب العدالة والتنمية إذا كان الحزب فعلا ديموقراطيا عندما يدرك الجميع حجم المؤامرة. ما يثير الإستغراب كذلك في تكتيك الحزبين البام والبيجيدي هو المطالبة بتقسيم الإقليم وتزامن مداخلة برلمانيي الحزبين حول الموضوع في جلسة برلمانية أمام وزير الداخلية. ما وقع يجب توضيحه أمام الرأي العام لكون من يطالبون بالتقسيم لا يهمهم إحداث إقليم جديد يضم الدائرة الشمالية. إنه نوع من تاكتيك يبتغي منه السادة النواب المحترمون والذين لا يحترمون من يمثلون ٱبتزاز بعضهما البعض ولا يستبعد أن تكون هذه المسرحية تخفي من ورائها صفقة من أجل إقتسام مقاعد الدائرة الشمالية لحفظ ماء وجه ممثل البام من جهة وتمكين المدير الإقيلمي للبيجيدي من ولوج البر لمان على حساب مناضلي الحزب من جهة ثانية. هذا الإستهتار الذي يمارسه ممثلا الحزبين داخل البرلمان عن ٱقليم تارودانت بدأ قبل الإنتخابات الجماعية والجهوية عندما تمكنا من تنصيب نفسيهما وكيلين للا ئحتين الجهويتين لهذان الحزبان. وبذلك يتم حرمان الدائرة الشمالية من التمثيلية داخل مجلس جهة سوس ماسة, كيف نفسر مطالبة ممثل البام تمكين الدائرة الشمالية من إقليم جديد في حين ٱختار أن يترشح في الإنتخابات الجماعية والجهوية خارج هذه الدائرة؟ ألا يعتبرهذا ضحكا على دقون أبناء تالوين، أولاد برحيل وإغرم؟ ولماذا فضل الاستقالة من الجهة لفائدة وصيف لائحته في في هذا الوقت بالذات؟ ألا يعبر ذلك على نوع من الإستعلاء والإهانة تجاه ساكنة هذه المناطق من طرف من سبق وأن أهان ناخبيه داخل البرلمان فقط لأنهم أمازيغ في سابقة لم يعرف التاريخ مثيلا لها؟ أما ممثل العدالة والتنمية فقد عرف من أين تؤكل الكثف وكيف يمكن لأبناء دائرته في الشطر الجنوبي من تارودانت من الظفر بكل مقاعد الإقليم داخل الجهة وبنسبة كبيرة في المجلس الإقليمي وما في ذلك من تمهيد لإعادة تنصيبه وكيلا للائحة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في الدائرة الجنوبية في ٱنتظار تمكين صديقه من وكيل لائحة الدائرة الشمالية في عملية لتبادل الأدوار في غفلة من مناضلي الحزب بل وفي خيانة للأمانة مادام البعض يبالغ في الأسلوب الدعوي أكثر مما هو سياسي وأخلاقي. وبصفتي كمنتخب باسم العدالة والتنمية لا يفوتني أن أتقدم بأحر التعازي للأمين العام ولكل شرفاء هذا الحزب على فقدان الحزب أعز ما يملك وهو الديمقراطية الداخلية,.
إذا كانت الأمطار تكشف إلى حد ما زيف المنتخبين داخل المدن فإن الأمطار الأخيرة التي عرفها إقليم تارودانت مؤخرا قد كشفت النقاب على برلمانيي الحزبين وكيف سارعا إلى الظهور أمام الساكنة المنكوبة كأبطال بعدما اختفوا عن الأنظار لسنوات قضوها داخل البرلمان. لهؤلاء نقول أين كنتم عندما جرف واد سوس وواد زاكموزن الحجر والبشر قبل عام. لماذا لم نسمع لمرشح البام وقد جرفت السيول قنطرة عمرها أربعة أشهر على بعد أمتار من بيت عائلته ولماذا سارع إلى المناطق المنكوبة مؤخرا كجماعة تفنوت؟ ولماذا لم نسمع عن غريمه أو بالأحرى صديقه في البيجيدي الذي سارع إلى إعداد تقرير وكلف أصدقاءه في الحزب بوصفه أمام الرأي العام بكونه تقريرا ناريا عن الفيضانات؟ أين كان النائب المحترم عندما جرف واد سوس كل شيء قبل سنة؟
في الأيام القادمة سنرى كيف ستدلي الأحزاب الأخرى بدلوها في دائرة خلقت من أجل المقاعد البرلمانية في حين أن من يدعون تمثيل هذه المنطقة لا يعرفون عنها أي شيء وأن مئات العائلات مازالت تحلم بمقاعد لأطفالها في المدارس. لذا لن نستغرب ظهور وجوه لفظتها صناديق الاقتراع بمناطق أخرى كعمدة الدار البيضاء السابق عن حزب الحصان أو مرشح الاستقلال الذي طرده أبناء إنزكان ليعود إلى أفقر جماعة بالإقليم لعلها تفتح له الطريق لحصانة برلمانية هو في أمس الحاجة إليها. أما حزب الأحرار فيدور في الكواليس أن ينزل بالمظلة زوجة برلماني سابق تماما كما تم إنزالها في إحدى الوزارات أمام استغراب كل المغاربة. نقول للجميع مرحبا بكم في هذه الربوع التي عرف أبناؤها بالصبر والطيبوبة كما عرفت نخبها بالمناصب والضيعات, هذه النخب التي للأسف توكل إليها مسؤولية تمثيل ساكنة تارودانت. ولا غرابة أن يبقى هذا الإقليم أكبر إقليم بالمغرب وما دام أن أغلب نخبه تولي الأهمية للشجر والبقر أكثر من البشر. وبما أن كل هؤلاء وغيرهم بعيدون كل البعد عن هموم المواطنين فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن الدور الذي سيلعبه برلمان يلجه الجبناء. .
.
الحسن بدري
مستشار جماعي وباحث في التنمية الترابية والحكامة

التعاليق (0)

التعاليق مغلقة.