بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية
ها قد قررت الجزائر أخيراً أن تُطفئ الأضواء بنفسها، ليس بفعل أزمة طاقة أو انقطاع كهرباء، بل كخطة دبلوماسية “مدروسة” للرد على موسكو، التي تجرأت على قول ما لا يُقال: دعم المغرب في قضية الصحراء!
نعم، روسيا، الحليف التاريخي الذي لطالما تغنّى به الإعلام الرسمي الجزائري كـ”الشريك الموثوق في زمن الخيانة الغربية”، صار اليوم في خانة “الخونة الجدد”، لمجرد أنه رأى أن الحكم الذاتي المغربي مشروع واقعي أكثر من انتظار “استفتاء الأشباح”.
- من موسكو إلى المرادية… الرحلة المعكوسة للعلاقات
الرئيس عبد المجيد تبون، في لحظة “حزم وطني” كما يقول المقربون، قرر أن يرد على الروس بأقسى ما يمكن أن يخيفهم: عدم الحضور!
غابت الجزائر عن المنتدى العالمي للطاقة، الذي جمع 84 دولة، من السعودية إلى تركيا، مروراً بكل من له علاقة بالغاز والنفط وحتى الطاقة الشمسية.
أما الجزائر، صاحبة أكبر احتياطي من “الزعل السياسي”، فقد فضّلت أن تبقى في البيت وتشاهد المنتدى على شاشة التلفزيون – بعد أن تأكدت أن الكرملين صار “يميل نحو الجهة الخاطئة من الصحراء”.
- الكرملين… لم يعد صديقاً
بحسب موقع “أفريكا إنتلجنس”، فالموقف الروسي لم يكتفِ بدعم المغرب في الصحراء، بل تجرأ أيضاً على التعبير عن قلقه من “تدخلات الجزائر في شمال مالي”، وهي جملة كافية لتصيب الدبلوماسية الجزائرية بارتعاشات في التصريحات.
الكرملين الذي كان بالأمس يُستقبل بالزرابي الحمراء في قصر المرادية، صار اليوم في خانة “المتآمرين”. ويا ليتهم اكتفوا بموقف دبلوماسي، بل ها هم في موسكو يعقدون منتدى للطاقة بدون الجزائر ، وكأن الطاقة العالمية يمكن أن تستمر دون صوت “غاز الجزائر الحر”!
- المنتدى ينعقد… و”الغياب موقف”
في الوقت الذي ناقش فيه وزراء الطاقة من 84 دولة مستقبل الطاقة النظيفة، جلست الجزائر تُحلّل الخطوة في نشراتها المسائية على طريقة:
“نحن لم نغِب، بل
تجاهلنا المنتدى عن
وعي وكرامة وطنية!”
موقف يشبه تماماً التلميذ الذي لم يُدعَ إلى الحفلة المدرسية، فيخبر الجميع أنه “لم يكن يريد الذهاب أصلاً”.
- موسكو تفتح الباب… ولكن للرباط هذه المرة
وكأنّ الغياب الجزائري لم يكن كافياً، حتى قررت موسكو أن تُذكّر الجميع بأن الكراسي الفارغة تُملأ بسرعة.
فبينما كانت الجزائر تُقاطع “منتدى الطاقة” احتجاجاً على “انحياز الروس”، كان ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، يجلس في موسكو جنباً إلى جنب مع ديميتري باتروشيف، نائب رئيس الحكومة الروسية، في اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة الروسية-المغربية.
اجتماع لم يكتفِ بالمجاملات الدبلوماسية، بل ناقش التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والطاقة المتجددة ، أي بالضبط ما غابت عنه الجزائر!
ولأن السخرية في التفاصيل، فقد رحّب الروس أيضاً بتوسيع الشراكات بين الجامعات الروسية والمغربية، في وقتٍ يواصل فيه أكثر من أربعة آلاف طالب مغربي دراستهم هناك.
بكلمات أخرى، بينما أغلقت الجزائر الباب “بكرامة”، فتحه المغرب بهدوء… ودخل إلى القاعة بابتسامة ديبلوماسية لا تحتاج إلى غاز لتُشعل المشهد.
- الطاقة الدبلوماسية في أدنى مستوياتها
الطريف أن الجزائر اختارت مقاطعة منتدى للطاقة، في وقت تعاني فيه من انقطاعات سياسية متكررة في التيار الدبلوماسي.
فمن باريس إلى موسكو، ومن الرباط إلى باماكو، لا يبدو أن “المآخذ” الجزائرية تُشعل سوى المزيد من العزلة.
أما موسكو، فقد اكتفت بابتسامة باردة على الطريقة الروسية، وكأنها تقول:
“من يريد أن يغضب
فليغضب… فالسوق لا
ينتظر الغائبين.”
- النتيجة؟
المنتدى نجح بدون الجزائر، المغرب كسب نقطة جديدة في ملف الصحراء، روسيا عززت حضورها في الساحل، أما الجزائر فربحت… بياناً جديداً عن السيادة وموقفاً بطولياً ضد حضور المؤتمرات.
في النهاية، ربما آن الأوان لأن تُدرك الجزائر أن الدبلوماسية ليست لعبة “من يزعل أولاً”، وأن العالم لا يتوقف عندما تغيب عن الطاولة… بل يبدأ من هناك.