الابتكار الأخضر في إفريقيا: كيف يصنع الشباب مستقبل القارة بأيديهم

أخبار وطنية

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في قلب العاصمة السنغالية داكار، وبين أكوام من النفايات البلاستيكية التي كانت تُعَدّ عبئًا بيئيًا، وُلدت فكرة شاب اسمه مكومبا دياني، حوّل الحلم إلى مشروع، والنفايات إلى قيمة. لم يكتفِ مكومبا بالنظر إلى مشكلة التلوث، بل جعل منها فرصة للإبداع والتنمية. فابتكر طريقة لتحويل البلاستيك الملقى في الشوارع إلى مقاعد وأدوات مدرسية للأطفال، في مبادرة تجمع بين الوعي البيئي والعدالة الاجتماعية.
هذه ليست قصة من أوروبا أو آسيا المتقدمة، بل من إفريقيا التي تصنع مستقبلها بيديها. من القمامة إلى الفصول الدراسية، ومن المعاناة إلى الأمل، يبرهن مكومبا ورفاقه أن التغيير لا يحتاج دائمًا إلى استثمارات ضخمة، بل إلى إيمان بالفكرة وإصرار على التنفيذ.

  • من الاستهلاك إلى الابتكار

ما يفعله الشباب الإفريقي اليوم ليس مجرد نشاط تطوعي، بل تحوّل ثقافي عميق. فجيل جديد من المبدعين يسعى إلى قلب الصورة النمطية عن القارة، من كونها “مستهلكة للمساعدات” إلى كونها “منتجة للحلول”.
في نيجيريا، على سبيل المثال، أسست المهندسة جويس مبيري مشروعًا لتحويل نفايات الزيوت إلى وقود حيوي صديق للبيئة.
وفي كينيا، أطلقت الشابة نزامبي ماتي شركة تصنع طوبًا قويًا وخفيفًا من البلاستيك المعاد تدويره يُستخدم في البناء، ويمثل بديلًا مستدامًا لمواد البناء التقليدية.
أما في منطقة الساحل، حيث التحديات البيئية أشد قسوة، فقد برزت مبادرات شبابية مبتكرة. ففي بوركينا فاسو، أنشأ مجموعة من الطلبة مشروعًا لتحويل النفايات الزراعية إلى فحم صديق للبيئة، يقلل من قطع الأشجار ويُوفر دخلًا مستدامًا للأسر الريفية.
وفي مالي، عمل مهندسون شباب على تصميم أجهزة بسيطة لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية، لتأمين مياه الشرب في القرى النائية.

  • المغرب… نموذج للابتكار البيئي الإفريقي

وفي شمال إفريقيا، يسطع مثال المغرب كقصة نجاح في مجال الاقتصاد الأخضر والابتكار البيئي.
ففي مدينة فاس، طور مهندسون شباب مشروعًا لتحويل النفايات العضوية إلى غاز حيوي يُستخدم في الطبخ والتدفئة.
وفي الدار البيضاء، أسست مجموعة من رائدات الأعمال شركة ناشئة لإعادة تدوير الإطارات القديمة وتحويلها إلى مفروشات وألعاب للأطفال.
كما يُعد مشروع محطة نور للطاقة الشمسية بورزازات أحد أكبر المشاريع في العالم التي تجسّد رؤية إفريقية مستقلة في مجال الطاقة النظيفة، تُدار بأيدٍ مغربية شابة.
هذه المبادرات، من داكار إلى الدار البيضاء، تؤكد أن القارة تمتلك عقولًا مبدعة قادرة على تحويل التحديات البيئية إلى مشاريع اقتصادية مستدامة.

  • الابتكار كطريق إلى التنمية

تُظهر هذه الأمثلة أن إفريقيا تمتلك ثروة بشرية هائلة، قادرة على دفع التنمية من الداخل، بعيدًا عن الاعتماد الدائم على المساعدات الخارجية. فالإبداع أصبح أداة للمقاومة والبقاء، ومصدرًا لتوليد الثروة في بيئة اقتصادية صعبة.
ووفقًا لتقارير التنمية الإفريقية، فإن أكثر من 60% من سكان القارة تحت سن الخامسة والعشرين، ما يجعلها القارة الأكثر شبابًا في العالم. هذا الرقم ليس تحديًا فقط، بل فرصة ذهبية إن وُظِّف بالشكل الصحيح عبر التعليم، والابتكار، وريادة الأعمال.

  • من “القارة المأزومة” إلى “القارة الواعدة”

لقد اعتادت وسائل الإعلام الغربية لعقود طويلة تقديم إفريقيا كقارة تعاني من الفقر والحروب والمجاعات. لكن القصص الجديدة ، كقصة مكومبا دياني، ونزامبي ماتي، وشباب المغرب والساحل ، تُظهر وجهًا آخر: إفريقيا التي تحوّل جراحها إلى طاقة، وتعيد تعريف مفهوم النهضة وفقًا لخصوصيتها ومواردها.
فالقارة السمراء لم تعد تنتظر “المنقذ” الخارجي، بل بدأت تعتمد على أبنائها، وتستثمر في عقولهم وأفكارهم، وتبني نموذجًا تنمويًا قائمًا على الاستدامة والابتكار المحلي.

  • خاتمة: إفريقيا الجديدة

إفريقيا اليوم لا تعيد تدوير النفايات فحسب، بل تعيد تدوير مستقبلها.
إنها تصنع من التحديات فرصًا، ومن الأزمات حلولًا، ومن الشباب طاقة خلاقة قادرة على تغيير مجرى التاريخ.
قصة مكومبا دياني هي مجرد مثال، لكنها تمثل روح قارة بأكملها تقول للعالم:
“لسنا قارة المشاكل..
نحن قارة الإمكانات.”