هذا المقال من رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن توجه جريدة أكادير24 بأي شكل من الأشكال.

الإنتخابات القادمة إرادة ملكية لتجديد النخب السياسية وبناء الثقة في مغرب المؤسسات

كُتّاب وآراء

رسائل ودروس كثيرة تلك التي تحملها الخطب الملكية ،غير أن رسالة اليوم بمناسبة عيد العرش المجيد كانت قوية وحاسمة، رسالة تؤكد وجود رؤية ملكية لمغرب المستقبل و تعبير صريح عن إرادة فاعلة في إحداث تحول نوعي في الممارسة الديمقراطية بالمغرب، فالدعوة ليست فقط في ضمان إنتخابات تشريعية نزيهة وشفافة، بل في ضرورة اعادة النظر في المسألة الحزبية وفي طبيعة النخب التي ستتحمل مسؤولية تدبير دواليب الدولة في المستقبل القريب، خاصة النخب السياسية ،فهل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني إستعابت المعنى الحكيم لمغرب يسير بسرعتين، لدولة حققت مكتسبات جسام على مستوى السياسة الخارجية وعلى المستوى الأمني والعسكري والإستباق الاستخباراتي، وتحدي الصعاب الاقتصادية، بينما تدبير الفاعل الحكومي والسياسي على المستوى الداخلي الجهوي والمحلي لازال يسير بخطى السلحفات … أم أن داء العطب قديم .

لقد جاءت تعليمات جلالة الملك لوزير الداخلية بشأن الإنتخابات المقبلة، مصحوبة بتشديد واضح على ضرورة إحترام مبدأ النزاهة، في إنسجام تام مع مقتضيات الفصل 11 من دستور المملكة، الذي يعتبر الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة أساسا لمشروعية التمثيل الديمقراطي.

هذه الإشارات لا يمكن اعتبارها مجرد تذكير دستوري، بل هي إعلان ضمني عن تجاوز مرحلة الإنتظارات والدخول في زمن الحسم، زمن تجديد الثقة وتقويم الأعطاب التي شابت الإستحقاقات السابقة، من ضعف في المشاركة السياسية وتفشي المال الانتخابي، إلى تراجع منسوب الثقة في النخب والأحزاب، بل وإنسحاب جزء واسع من المواطنات والمواطنين من الفعل السياسي برمته. وهي إختلالات لم يعد من الممكن التعايش معها إذا ما أردنا فعلا بناء مؤسسات ذات مصداقية تمثل إرادة الشعب المغربي وتعكس تنوع المجتمع.

مدونة الانتخابات، التي يفترض أن تكون آلية لضمان تكافؤ الفرص والعدالة الإنتخابية، ما زالت تخضع لمنطق الضبط وتفتيت الأصوات أكثر من منطق التمثيلية الفعلية. فاعتماد نمط إقتراع نسبي مع قاسم إنتخابي على أساس المسجلين أدى إلى مشهد سياسي مفتت، يصعب معه تشكيل أغلبيات متجانسة، ويشجع على منطق الترضيات بدل التعاقدات السياسية الواضحة، مما أثر على جودة الفعل التشريعي والرقابي وعلى نجاعة السياسات العمومية.

رسالة جلالة الملك في هذا السياق هي دعوة إلى تجديد النخب وإعادة الإعتبار للممارسة السياسة الحقة، عبر بوابة إنتخابات شفافة تفرز فاعلين سياسيين ذوي مشروعية شعبية، قادرين على التعبير عن تطلعات المواطنين وليس عن مصالح فئوية أو حسابات إنتخابية ضيقة. وهو ما يقتضي أيضا تعبئة حقيقية للكفاءات الشابة والطاقات المجتمعية النزيهة، التي ظلت طويلا مهمشة أو مترددة في ولوج المؤسسات، بسبب الصورة السلبية التي إلتصقت بالمشهد الحزبي والمؤسساتي.

إن ضمان نزاهة الإنتخابات لا ينبغي أن يقتصر على التأطير القانوني فقط، بل يجب أن ترافقه إرادة سياسية جماعية لمحاربة الفساد الإنتخابي وتجفيف منابع المال الفساد السياسي ، وتشجيع الأحزاب على فتح نوافذها أمام وجوه جديدة قادرة على إعادة الثقة في العمل السياسي. كما أن الإعلام العمومي مدعو للقيام بدور أكثر توازنا في مرحلة الحملة، بما يضمن تعددية حقيقية في التعبير السياسي.

ختاما، الإنتخابات المقبلة يجب أن تكون لحظة فارقة، تستعاد فيها ثقة المواطنين وتسترجع بها الثقة في المؤسسات، لا أن تكون مجرد محطة لتدوير نفس الوجوه وإعادة إنتاج نفس الأعطاب. إنها فرصة تاريخية لبناء تعاقد ديمقراطي جديد، تتقاطع فيه الإرادة الملكية بالإرادة الشعبية، من أجل مغرب المؤسسات الفاعلة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.